للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ مِنَ السِّيَاقَاتِ الْأَوَّلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ وَهَذَا عُمُومٌ أَيْضًا والله أعلم (١) .

وقوله تعالى لإبليس (اهبط منها) و (اخرج مِنْهَا) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي السَّمَاءِ فَأُمِرَ بِالْهُبُوطِ مِنْهَا وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ وَالْمَكَانَةِ الَّتِي كَانَ قَدْ نَالَهَا بِعِبَادَتِهِ وَتَشَبُّهِهِ بِالْمَلَائِكَةِ فِي الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ ثُمَّ سَلَبَ ذَلِكَ بِكِبْرِهِ وحسده ومخالفته لربه فأهبط إلى الأرض مذؤماً مَدْحُورًا.

وَأَمَرَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَسْكُنَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ الْجَنَّةَ فَقَالَ (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢) .

وقال في الأعراف (قَالَ اخرج منها مذؤما مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ منهم لاملئن جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ.

وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣) وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى.

آن لك أن لا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) (٤) وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم الجنة لقوله (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) وهذا قد صرح به اسحاق ابن بشار وَهُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَاتِ.

وَلَكِنْ حَكَى السُّدِّيُّ عن أبي صالح وأبي مالك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا أُخْرِجَ إِبْلِيسُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأُسْكِنَ آدَمُ الْجَنَّةَ فَكَانَ يَمْشِي فيها وحشي لَيْسَ لَهُ فِيهَا زَوْجٌ يَسْكُنُ إِلَيْهَا فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ.

خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلْعِهِ.

فَسَأَلَهَا مَنْ أَنْتِ قَالَتْ: امْرَأَةٌ.

قَالَ: وَلِمَا خُلِقْتِ؟ قَالَتْ: لِتَسْكُنَ إِلَيَّ ققالت لَهُ الْمَلَائِكَةُ يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِ (مَا اسْمُهَا يَا آدَمُ) قَالَ: حَوَّاءُ قَالُوا: ولمَ كَانَتْ حَوَّاءَ؟ قَالَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ شئ حَيٍّ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِهِ الْأَقْصَرِ الْأَيْسَرِ وَهُوَ نَائِمٌ وَلَأَمَ مَكَانَهُ لَحْمًا وَمِصْدَاقُ هَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (٥) الْآيَةَ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ من


(١) قال الفخر الرازي في تفسيره ج ١ / ٢٣٨: قال الاكثرون ان جميع الملائكة مأمورون بالسجود لآدم واحتجوا عليه بوجهين: إن لفظ الملائكة صيغة الجمع وهي تفيد العموم.
الوجه الثاني: هو انه تعالى استثنى إبليس منهم.
ومنهم من قال أن ملائكة الارض.
أما الحكماء فإنهم يحملون الملائكة على الجواهر الروحانية وقالوا يستحيل أن تكون الارواح السماوية منقادة للنفوس الناطقة إنما المراد من الملائكة المأمورين بالسجود القوى الجسمانية البشرية المطيعة للنفس الناطقة.
(٢) سورة البقرة الآية ٣٥.
(٣) سورة الاعراف الآية ١١٨.
(٤) سورة طه الآيات ١١٧ - ١١٩.
(٥) سورة النساء الآية ١.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>