للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى (فأزلهما الشيطان عنها) أي عن (١) الجنة (فأخرجهما مما كانا فيه) أي من النعيم والنضرة والسرور إلى دار التعب والكد والنكد وذلك بما وسوس لهما وزينه في صدورهما كما قال تعالى (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما. وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) (٢) يقول ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين أي ولو أكلتما منها لصرتما كذلك (وقاسمهما) أي حلف لهما على ذلك (إني لكما لمن الناصحين) كما قال في الآية الأخرى (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) أي هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي وهذا من التغرير والتزوير والاخبار بخلاف الواقع.

والمقصود أن قوله شجرة الخلد التي إذا أكلت منها خلدت وقد تكون هي الشجرة التي قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن أبي الضحاك سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها شجرة الخلد " *

وكذا رواه أيضا عن غندر وحجاج عن شعبة، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضا به وقال غندر قلت لشعبة هي شجرة الخلد قال ليس فيها هي.

تفرد به الإمام أحمد … وقوله (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورقة الجنة) (٣) كما قال في " طه " (أكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) (٤) وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم وهي التي حدته على أكلها والله أعلم.

وعليه يحمل الحديث الذي رواه البخاري حدثنا بشر بن محمد حدثنا عبد الله أنبأنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي نحوه لولا بنو إسرائيل لم يخنز (٥) اللحم ولولا حواء لم تخن


(١) قال القرطبي: أزلهما من الزلة وهي الخطيئة، أي استزلهما وأوقعهما فيها. (على اعتبار لفظة عن في هذه الآية بمعنى في قال صاحب الكشاف).
قال ابن كيسان: فأزالهما من الزوال: أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة إلى المعصية. ج ١/ ٣١١ وقال القفال: هو من الزلل يكون الانسان ثابت القدم على الشئ فينزل عنه ويصير متحولا عن ذلك الموضع. التفسير الكبير ٣/ ٦.
(٢) سورة الأعراف الآية ٢٠.
(٣) سورة الأعراف الآية ٢٢.
(٤) سورة طه الآية ١٢١ جاء في تفسير القرطبي ج ٧/ ١٨٠: أكلت حواء أولا فلم يصبها شئ، فلما أكل آدم حلت العقوبة.
(٥) يخنز: ينتن.

<<  <  ج: ص:  >  >>