للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

وَقَدْ ذَكَرَ محمَّد بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (١) بْنِ أبي سفيان بن العلاء بن حارثة (٢) - قَالَ: وَكَانَ وَاعِيَةً (٣) - عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَخْرُجُ إِلَى حِرَاءٍ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يَتَنَسَّكُ فِيهِ.

وَكَانَ مِنْ نُسُكِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاكِينِ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ مِنْ مُجَاوَرَتِهِ [وقضائه] (٤) لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ.

وَهَكَذَا رَوَى عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْ عَادَةِ الْمُتَعَبِّدِينَ فِي قُرَيْشٍ أَنَّهُمْ يُجَاوِرُونَ فِي حِرَاءٍ لِلْعِبَادَةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ

الْمَشْهُورَةِ: وثورٍ ومَن أرْسَى ثَبِيرًا مَكانه * وراقٍ ليرقى فِي حِراءَ ونازِلِ هَكَذَا صَوَّبَهُ عَلَى رِوَايَةِ هذا في الْبَيْتِ كَمَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ وَأَبُو شَامَةَ وَشَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَقَدْ تَصَحَّفَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ فَقَالَ فِيهِ: وراقٍ ليرقى في حر وَنَازِلِ - وَهَذَا رَكِيكٌ وَمُخَالِفٌ لِلصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَحِرَاءٌ يُقْصَرُ وَيُمَدُّ وَيُصْرَفُ وَيُمْنَعُ، وَهُوَ جَبَلٌ بأعلى مكة على ثلاثة أَمْيَالٍ مِنْهَا عَنْ يَسَارِ الْمَارِّ إِلَى مِنًى، لَهُ قُلَّةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْكَعْبَةِ مُنْحَنِيَةٌ وَالْغَارُ فِي تِلْكَ الْحَنْيَةِ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: فَلا وربِّ الآمِناتِ القُطَّن * وربِّ رُكنٍ مِنْ حِراءَ مُنْحني وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ، تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ التَّحَنُّثِ مِنْ حَيْثُ البِنْيَة (٥) فِيمَا قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ الدُّخُولُ فِي الْحِنْثِ وَلَكِنْ سُمِعَتْ أَلْفَاظٌ قَلِيلَةٌ في اللغة معناها الخروج من ذلك الشئ كحنث أي خرج من الحنث وتحوب وتحرج وتأنم وتهجد هو تَرْكُ الْهُجُودِ وَهُوَ النَّوْمُ لِلصَّلَاةِ وَتَنَجَّسَ وَتَقَذَّرَ أَوْرَدَهَا أَبُو شَامَةَ.

وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ قَوْلِهِ يَتَحَنَّثُ أَيْ يَتَعَبَّدُ.

فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا إِنَّمَا هُوَ يَتَحَنَّفُ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ التَّحَنُّثُ وَالتَّحَنُّفُ يُبْدِلُونَ الْفَاءَ مِنَ الثاء، كما قالوا جدف وجذف كما قال رؤبة [بن العجاج] : (هامش ٩) = والامام أحمد في مسنده ٥ / ٨٩.

(١) في سيرة ابن هشام: عبيد الله.

(٢) في سيرة ابن هشام ودلائل البيهقي: جارية وهو الصواب.

(٣) واعية: التاء فيه للمبالغة: أي حافظا.

من قولهم وعى العلم يعيه إذا حفظه.

(٤) زيادة من دلائل البيهقي.

وفي ابن هشام: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جواره وانصرف.. (٥) في الاصول ونسخ البداية المطبوعة: من حنث البِنْيَة وهو تحريف والصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>