للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَظِيمًا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ قَالَ أَرَأَيْتُكِ التي (١) كنت حدثتك أَنِّي رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ اسْتَعْلَنَ

إليّ، أرسله إليّ ربي عزوجل وَأَخْبَرَهَا بِالَّذِي جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا سَمِعَ مِنْهُ، فَقَالَتْ: أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِكَ إِلَّا خَيْرًا، وَاقْبَلِ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ حَقٌّ وَأَبْشِرْ فَإِنَّكَ رَسُولُ الله حقاً.

ثم انطلقت من مَكَانَهَا فَأَتَتْ غُلَامًا لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى يُقَالُ لَهُ عَدَّاسٌ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَدَّاسُ أُذَكِّرُكَ بِاللَّهِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي هَلْ عِنْدَكَ عِلْمٌ مِنْ جِبْرِيلَ فَقَالَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، مَا شَأْنُ جِبْرِيلَ يُذْكَرُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي أَهْلُهَا أَهْلُ الْأَوْثَانِ.

فَقَالَتْ: أَخْبِرْنِي بِعِلْمِكَ فِيهِ.

قَالَ فَإِنَّهُ أَمِينُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.

فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ مِنْ عِنْدِهِ فَجَاءَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَلْقَاهُ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ.

فَقَالَ لَهَا وَرَقَةُ: يَا بُنَيَّةَ أَخِي (٢) مَا أَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَكِ النَّبِيُّ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وأقسم بالله لان كان إياه ثم أظهر دعواه وأنا حي لا بلين اللَّهَ فِي طَاعَةِ رَسُولِهِ وَحُسْنِ مُؤَازَرَتِهِ لِلصَّبْرِ وَالنَّصْرِ.

فَمَاتَ وَرَقَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ فَكَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ رَسُولَهُ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ (٣) بَعْدَ إِيرَادِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالَّذِي ذُكِرَ فِيهِ مِنْ شَقِّ بَطْنِهِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً مِنْهُ لِمَا صُنِعَ بِهِ فِي صِبَاهُ، يَعْنِي شَقَّ بَطْنِهِ عِنْدَ حَلِيمَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شُقَّ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ ثَالِثَةً حِينَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ وَرَقَةَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ التَّيْمِيِّ.

قَالَ: بَلَغَنَا أنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا رَسُولًا عَلَى رَأْسِ خَمْسِينَ سَنَةً مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ وكان أول شئ اخْتَصَّهُ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةِ رُؤْيَا كَانَ يَرَاهَا فقصَّ ذَلِكَ عَلَى زَوْجَتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَقَالَتْ لَهُ: أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِكَ إِلَّا خَيْرًا فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي حِرَاءٍ وَكَانَ يَفِرُّ إِلَيْهِ مِنْ قَوْمِهِ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَدَنَا مِنْهُ فَخَافَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخَافَةً شَدِيدَةً فَوَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ.

فَقَالَ: اللَّهُمَّ احْطُطْ وِزْرَهُ، وَاشْرَحْ صَدْرَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، يَا مُحَمَّدُ أَبْشِرْ! فَإِنَّكَ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

اقْرَأْ فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ: وَهُوَ خَائِفٌ يُرْعَدُ - مَا قَرَأْتُ كِتَابًا قَطُّ، وَلَا أُحْسِنُهُ وَمَا أَكْتُبُ وَمَا أَقْرَأُ فَأَخَذَهُ جِبْرِيلُ فَغَتَّهُ غَتًّا شَدِيدًا ثُمَّ تَرَكَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ اقْرَأْ فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ فَأَجْلَسَهُ عَلَى بِسَاطٍ كَهَيْئَةِ الدُّرْنُوكِ فرأى فيه من صفائه وَحُسْنِهِ كَهَيْئَةِ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَقَالَ لَهُ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ

الذي خلق) الْآيَاتِ ثُمَّ قَالَ لَهُ لَا تَخَفْ يَا مُحَمَّدُ إنَّك رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَأَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّهُ فَقَالَ كَيْفَ أَصْنَعُ وَكَيْفَ أَقُولُ لِقَوْمِي ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خائف فأتاه


(١) في دلائل البيهقي: الذي، وهو مناسب أكثر.
(٢) الثابت أن خديجة ابنة عم ورقة، فهي بنت خويلد بن أسد وورقة بن نوفل بن أسد.
وما قوله: يا بنية أخي إلا دليلا على مدى احترامها وتقديرها له، والمكانة التي له في نفسها.
(٣) دلائل النبوة ج ٢ / ١٤٦.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>