للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينزل عليكم العذاب (١). ثم قال البيهقي: عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس عن محمد بن إسحاق [قال:] حدثني يزيد بن زياد (٢) مولى بني هاشم عن محمد بن كعب قال حدثت أن عتبة بن ربيعة (٣)، وكان سيدا حليما. قال - ذات يوم وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله جالس وحده في المسجد -: يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها ويكف عنا. قالوا: بلى يا أبا الوليد! فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله فذكر الحديث فيما قال له عتبة وفيما عرض على رسول الله من المال والملك وغير ذلك. وقال ابن إسحاق (٤) فقال عتبة: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه إياها ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون. فقالوا: بلى يا أبا الوليد! فقم إليه وكلمه. فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة (٥) في العشيرة والمكان في النسب، وأنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت [به] جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم. فاسمع مني حتى أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. قال فقال له رسول الله : " يا أبا الوليد اسمع ". قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الامر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت نريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه - أو كما قال له - حتى إذا فرغ عتبة. قال له النبي : " أفرغت يا أبا الوليد؟ " قال نعم! قال اسمع مني، قال افعل! فقال رسول الله : (حم تنزل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) فمضى رسول الله يقرأها فلما سمع بها عتبة أنصت لها وألقى بيديه خلفه أو خلف ظهره معتمدا عليها ليسمع منه حتى انتهى رسول الله إلى السجدة فسجدها ثم قال: " سمعت يا أبا الوليد؟ قال سمعت. قال: " فأنت وذاك " ثم قام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله


(١) دلائل البيهقي ٢/ ٢٠٣.
(٢) من السيرة ودلائل البيهقي، وفي نسخ البداية المطبوعة: بن أبي زياد وهو تحريف.
(٣) عتبة بن ربيعة (٢٠٠٠ هـ = ٦٢٤٠٠٠ م) بن عبد شمس، أبو الوليد: كبير قريش وأحد ساداتها في الجاهلية. كان موصوفا بالرأي والحلم والفضل، نافذ القول. نشأ يتيما في حجر حرب ابن أمية، أول ما عرف منه توسطه للصلح في حرب الفجار. أدرك الاسلام وطغى فشهد بدرا مع المشركين. أحاط به علي وحمزة وعبيدة بن الحارث فقتلوه.
(٤) في نسخ البداية المطبوعة: زياد بن إسحاق وهو تصحيف.
(٥) في نسخ البداية المطبوعة: الشطر وهو تحريف، وما أثبتناه من سيرة ابن هشام والسطة: الشرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>