للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى أدخله السفينة، فحقد عليه عمرو في ذلك. فقال عمرو للنجاشي: إنك إذا خرجت خلفك عمارة في أهلك، فدعا النجاشي بعمارة فنفخ في إحليله فطار مع الوحش. وهكذا رواه الحافظ البيهقي في الدلائل من طريق أبي على الحسن بن سلام السواق عن عبيد الله بن موسى فذكر بإسناده مثله إلى قوله: فأمر لنا بطعام وكسوة قال وهذا إسناد صحيح وظاهره يدل على أن أبا موسى كان بمكة، وأنه خرج مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة، والصحيح عن يزيد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى: أنهم بلغهم مخرج رسول الله وهم باليمن فخرجوا مهاجرين في بعض وخمسين رجلا في سفينة، فألقتهم سفينتهم إلى النجاشي بأرض الحبشة، فوافقوا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عندهم، فأمره جعفر بالإقامة، فأقاموا عنده حتى قدموا على رسول الله زمن خيبر. قال وأبو موسى شهد ما جرى بين جعفر وبين النجاشي، فأخبر عنه. قال ولعل الراوي وهم في قوله: أمرنا رسول الله أن ننطلق والله أعلم (١).

وهكذا رواه البخاري في باب هجرة الحبشة. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد (٢) بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى. قال: بلغنا مخرج النبي ونحن باليمن، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا فوافينا (٣) النبي حين افتتح خيبر، فقال النبي : " لكم أنتم أهل السفينة هجرتان " وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب وأبي عامر عبد الله بن براد [بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى] كلاهما عن أبي أسامة به، وروياه في مواضع أخر مطولا والله أعلم.

وأما قصة جعفر مع النجاشي فإن الحافظ ابن عساكر رواها في ترجمة جعفر بن أبي طالب من تاريخه من رواية نفسه، ومن رواية عمرو بن العاص. وعلى يديهما جرى الحديث، ومن رواية ابن مسعود كما تقدم. وأم سلمة كما سيأتي. فأما رواية جعفر فإنها عزيزة جدا. رواها ابن عساكر عن أبي القاسم السمرقندي عن أبي الحسين بن النقور عن أبي طاهر المخلص عن أبي القاسم البغوي. قال حدثنا أبو عبد الرحمن الجعفي عن عبد الله بن عمر بن أبان حدثنا أسد بن عمرو البجلي عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه. قال: بعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي. فقالوا له - ونحن عنده -: قد صار إليك ناس من سفلتنا (٤) وسفهائنا، فادفعهم إلينا، قال: لا حتى أسمع كلامهم. قال فبعث إلينا


(١) دلائل النبوة ج ١/ ٢٩٩ - ٣٠٠.
(٢) في نسخ البداية المطبوعة: يزيد وهو تحريف، وما أثبتناه من البخاري.
(٣) في البخاري: فوافقنا.
(٤) قال الأستاذ حسن في تاريخ الاسلام السياسي ١/ ٨٧: " لم يفكر الرسول في هجرة المسلمين إلى إحدى القبائل العربية، لأنها كانت ترفض دعوته في مواسم الحج مجاملة لقريش أو تمسكا بدينها الوثني، وكذلك لم يفكر في الهجرة إلى مواطن أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين، لان كلا من الجاليتين اليهودية والمسيحية كانت تنازع الأخرى وتنافسها في النفوذ الأدبي ببلاد العرب، فهما والحالة هذه لا تقبلان منافسا ثالثا خصوصا إذا كان من العرب الذين كانوا يحتقرونهم، أما اليمن وكانت مستعمرة للفرس ولم يدينوا بدين سماوي فلم يطمئن الرسول إلى الالتجاء إليها، وكذلك كان شأن الحيرة التي كانت - في ذلك الوقت - بعيدة عن مكة أما الشام فهي بعيدة كذلك. فضلا عما كان يسودهما - الشام والحيرة - من الاضطراب، إلى جانب أن لقريش صلات وثيقة ومصالح متبادلة وزيارات متبادلة.
لذلك اتجه الرسول إلى بلاد الحبشة لما كان يعرف في ملكها من العدل والتسامح وقال بروكلمان ص ٤٠: إن النبي كان لا يعتبر أن دينه - في ذلك الوقت - يختلف اختلافا كبيرا عن النصرانية فالنجاشي أقرب ممثل سياسي للنصرانية يمكن أن يحتمي به.

<<  <  ج: ص:  >  >>