للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. قال فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال ما شأنكم؟ فقالوا صبأ عمر، قال فمه؟ رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خلوا عن الرجل. قال فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه. قال فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبة من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟ قال: ذاك أي بني العاص بن وائل السهمي (١)، وهذا إسناد جيد قوي، وهو يدل على تأخر إسلام عمر لان ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة وكانت أحد في سنة ثلاث من الهجرة وقد كان مميزا يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين والله أعلم (٢).

وقال البيهقي: حدثنا الحاكم أخبرنا الأصم أخبرنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس عن ابن إسحاق. قال ثم قدم على رسول الله عشرون رجلا وهو بمكة - أو قريب من ذلك - من النصارى حين ظهر خبره من أرض الحبشة فوجدوه في المجلس، فكلموه وسألوه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مساءلتهم رسول الله عما أرادوا، دعاهم رسول الله إلى الله ﷿ وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقال: خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم، ما نعلم ركبا أحمق منكم - أو كما قال - قالوا لهم: لا نجاهلكم سلام عليكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نألون أنفسنا خيرا. فيقال إن النفر من نصارى نجران، والله أعلم أي ذلك كان. ويقال والله أعلم أن فيهم نزلت هذه الآيات: (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين، أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون، وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا


(١) الخبر في سيرة ابن هشام ١/ ٣٧٣ - ٣٧٤.
(٢) في اسلام عمر تعددت الروايات والأحاديث فعن أسلم قال: أسلم في ذي الحجة السنة السادسة من النبوة وعن ابن المسيب قال: أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة وقال البيهقي عن ابن إسحاق: قال أسلم والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا وإحدى عشرة امرأة. وقال ابن الأثير في الكامل: أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلا وثلاث وعشرين امرأة، وكان اسلامه بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة. وقيل في إسلامه غير هذا.
قال بروكلمان: وكان من آثار ذلك أن قرر المكيون التعويض عن هذه الخسارة - إسلام عمر - اللجوء إلى تدابير جديدة أقسى، فقاطعوا محمدا وجميع أتباعه وحاصروهم في الحي الذي يسكنونه في شعب أبي طالب.
(أنظر ابن الأثير الكامل - بروكلمان تاريخ الشعوب الاسلامية).

<<  <  ج: ص:  >  >>