للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد بن هارون بن حميد، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، حدثنا الفضل عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: أن النبي عاد (١) من جنازة أبي طالب فقال: " وصلتك رحم، وجزيت خيرا يا عم ". قال: وروي عن أبي اليمان الهوزني عن النبي مرسلا وزاد، ولم يقم على قبره. قال: وإبراهيم بن عبد الرحمن هذا هو الخوارزمي تكلموا فيه.

قلت: قد روى عنه غير واحد منهم الفضل بن موسى السيناني (٢) ومحمد بن سلام البيكندي (٣)، ومع هذا قال ابن عدي ليس بمعروف، وأحاديثه عن كل من روى عنه ليست بمستقيمة. وقد قدمنا ما كان يتعاطاه أبو طالب من المحاماة والمحاجة والممانعة عن رسول الله والدفع عنه وعن أصحابه وما قاله فيه من الممادح والثناء، وما أظهره له ولأصحابه من المودة والمحبة والشفقة في أشعاره التي أسلفناها وما تضمنته من العيب والتنقيص لمن خالفه وكذبه بتلك العبارة الفصيحة البليغة الهاشمية المطلبية التي لا تدانى ولا تسامى، ولا يمكن عربيا مقاربتها ولا معارضتها، وهو في ذلك كله يعلم أن رسول الله صادق بار راشد، ولكن مع هذا لم يؤمن قلبه. وفرق بين علم القلب وتصديقه كما قررنا ذلك في شرح كتاب الايمان من صحيح البخاري، وشاهد ذلك قوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) وقال تعالى في قوم فرعون: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم). وقال موسى لفرعون: (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) وقول بعض السلف في قوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينأون عنه) أنها نزلت في أبي طالب حيث كان ينهى الناس عن أذية رسول الله وينأى هو عما جاء به الرسول من الهدى ودين الحق. فقد روي عن ابن عباس، والقاسم بن مخيمرة، وحبيب بن أبي ثابت، وعطاء بن دينار، ومحمد بن كعب، وغيرهم، ففيه نظر والله أعلم. والأظهر والله أعلم الرواية الأخرى عن ابن عباس، وهم ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به. وبهذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغير واحد - وهو اختيار ابن جرير - وتوجيهه أن هذا الكلام سيق لتمام ذم المشركين حيث كانوا يصدون الناس عن اتباعه ولا ينتفعون هم أيضا به. ولهذا قال: (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين، وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن


(١) في دلائل البيهقي ٢/ ٣٤٩: عارض جنازة أبي طالب.
(٢) السيناني: نسبة إلى سينان إحدى قرى مرو، كان من أقران ابن المبارك في السن والعلم ولد سنة ١١٥ هـ ومات سنة ١٩١.
(٣) البيكندي: نسبة إلى بيكند بلدة بين بخارى وجيحون، مقبول من الحادية عشرة. تقريب التهذيب ٢/ ٢٩٤/ ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>