للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء قديماً وحديثاً وبجانبها طرقاً يقتصر عليها أهل الشيع وَغَيْرُهُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِخَدِيجَةَ أَحَدًا مِنَ النِّسَاءِ لِسَلَامِ الرَّبِّ عَلَيْهَا، وَكَوْنِ وَلَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعِهِمْ - إِلَّا إِبْرَاهِيمَ مِنْهَا.

وَكَوْنِهِ لَمْ يتزوَّج عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ إِكْرَامًا لها، وتقدير إِسْلَامِهَا، وَكَوْنِهَا مِنَ الصدِّيقات وَلَهَا مَقَامُ صِدْقٍ فِي أَوَّلِ الْبِعْثَةِ.

وَبَذَلَتْ نَفْسَهَا وَمَالَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلُو أَيْضًا وَيُثْبِتُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنَ الْفَضَائِلِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَلَكِنْ تَحْمِلُهُمْ قُوَّةُ التَّسَنُّنِ عَلَى تَفْضِيلِ عَائِشَةَ لِكَوْنِهَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ، وَلِكَوْنِهَا أَعْلَمَ مِنْ خَدِيجَةَ فإنَّه لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ مِثْلُ عَائِشَةَ فِي حِفْظِهَا وَعِلْمِهَا وَفَصَاحَتِهَا وَعَقْلِهَا، وَلَمْ يَكُنِ الرسول يُحِبُّ أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ كَمَحَبَّتِهِ إِيَّاهَا وَنَزَلَتْ براءتها من فوق سبع سموات وَرَوَتْ بَعْدَهُ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِلْمًا جَمًّا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ حَتَّى قَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ " خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنِ الْحُمَيْرَاءِ " (١) (وَالْحُقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهَا مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَوْ نَظَرَ النَّاظِرُ فِيهِ لَبَهَرَهُ وَحَيَّرَهُ، وَالْأَحْسَنُ التَّوَقُّفُ فِي ذَلِكَ إلى الله عزوجل.

وَمَنْ ظَهَرَ لَهُ دَلِيلٌ يَقْطَعُ بِهِ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ فِي هَذَا الْبَابِ فَذَاكَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ وَمَنْ حَصَلَ لَهُ تَوَقُّفٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا فَالطَّرِيقُ الْأَقْوَمُ وَالْمَسْلَكُ الْأَسْلَمُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ " (٢) أَيْ خَيْرُ زَمَانِهِمَا.

وَرَوَى شُعْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا ثَلَاثٌ، مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ.

وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " (٣) رَوَاهُ ابْنُ مردويه في


(١) قال القاري في الموضوعات الصغرى: لا يعرف له أصل.
قال ابن القيم الجوزية في المنار المنيف ص ٦٠ وكل حديث فيه " يا حميراء " أو ذكر حميراء فهو كذب مختلق.
والحميراء تصغير حمراء بمعنى بيضاء اللون مشرب بياضها بحمرة، والعرب تسمي الرجل الابيض: أحمر والمرأة حمراء.
وقال القرطبي صاحب الفهم: والعرب تطلق على الابيض الاحمر: كراهة اسم البياض لكونه يشبه البرص.
قال المزي: كل حديث فيه يا حميراء فهو موضوع إلا حديثا عند النسائي، وقال ابن حجر نحوه في فتح الباري.
وهذا الحصر من هذين الحافظين غير سديد، فقد ورد ذكر الحميراء في حديثين آخرين.
روى الحاكم ٣ / ١١٩ في مستدركه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: انظري يا حميراء..قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب اللدنية ٧ / ٢١٦ بعد ذكر حديث القسطلاني حديث أم سلمة هذا من رواية الحاكم والبيهقي.
حديث صحيح.. (٢) تقدم تخريجه فليراجع.
(٣) تقدم تخريجه فليراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>