للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو الشيخ الورع الزاهد التقي الفاهم النبيه محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن خنين العائذي القحطاني من عبيدة قحطان، ولد في بلد الدلم من الخرج في العام الثامن والعشرين بعد الثلاثمائة والألف تقريبًا، وقرأ القرآن في باكورة عمره، وحفظه عن ظهر قلب، ولما أن كان عمره نحو تسع سنوات توفى والده، فبقي المترجم في حضانة أمه، وبعد مضي فترة من الزمن تزوجت والدته بصالح بن خنين، فوهب الله لها منه راشد بن صالح، وكانت تارئة للقرآن كثيرة الخوف من الله تعالى، مع ما جلبت عليه من السخاء وجودة الرأي فأحسنت تربية ابنها محمد وتوجيهه، وكانت تجود بما تقدر عليه من الإحسان إلى المعلم، وتحرضه على ملاحظة ابنها وتشجيعه، وتحذره من ضربه، وتشترط عليه أن يكون ابنها بجانبه ليهاب ويجتنب العبث، فكان من حسن تلك التربية أن نشأ الابن على حالة جميلة، وهكذا كانت حالتها في تربيتها لابنها راشد، فبقي المترجم بعد حفظه القرآن يتذاكر مع بعض طلبة العلم في وطنه، حتى عين الشيخ العلامة الفقيه عبد الرحمن بن عبد الله بن سالم قاضيًا بالدلم، فدرس عليه في التوحيد، والفقه والحديث، ولازمه كثيرًا حتى نبغ من بين أقرانه، وكان شيخه المذكور يجله ويقدره لما يرى من أكبابه على الطلب وعظمة اجتهاده، ولما يتخايله فيه من الذكاء وحسن السلوك، ثم إنه غادر بلده إلى الرياض فدرس بها على شيخنا علامة الملكة العربية السعودية ومفتيها ورئيس قضاتها الشيخ محمد بن إبراهيم، فقرأ عليه في التوحيد والعقائد والفقه وأصوله، والحديث ومصطلحه، والنحو، وكان من زملائه حال دراسته عليه جماعة من المشايخ من بينهم الشيخ الفاضل عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ عبد الله بن يوسف، والشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش وغيرهم.

وكان المترجم رحمه الله موضع الثقة والتقدير عند شيخه وزملائه لذكائه وتواضعه وحسن خلقه، ولما أن كان في أثناء عام ١٣٥٣ هـ عين قاضيًا لبلد الحريق، فعظم عليه ذلك واشتد خوفه وقلقه، وطال بكاؤه، وذلك لورعه وخوفه، وحاول الخلاص واجتهد في طلب العافية من القضاة، فأصرَّ ولاة أمره على إلزامه بهذه