ما أحرص الشيطان على حرمان ابن آدم من الأجر، إني رأيت مرة رجلًا صلى مع الجماعة، فساعة سلم الإمام قام ليخرج مسرعًا، فلما خرجت قدمه الأولى وقف يفكر إلى أين يذهب، ولبث كذلك بين السوق والمسجد فعجبت كيف أقامه الشيطان من موضعه ذلك الذي ما دام فيه فإنه في صلاة وفوت عليه الثواب والحسنات، فيا له من حبر أديب شهدت له بالفضل محاريب العلا، وعرفه بالمكارم أهل الخبرة والنهى، فيا ليت شعري من مثل هذا الشيخ ومن يباريه في الفضل أدبًا وعلمًا ودينًا وعقلًا، وأنى لنا مثله، ولكنه من رجال كانوا فبانوا، وقد امتدحه الأدباء والأفاضل وترنموا بمديحه نظمًا ونثرًا في حياته وبعد وفاته، قال بعض المدنيين في قصيدة يمتدحه:
إمامٌ له في المشكلات إذا دجت ... مقال لدى التحقيق يسفر عن فجر
يجدد من تلك العلوم رسيسها ... ويحي به ميت الفؤاد مدى الدهر
فلا غرو أن عاد الحجاز به سنًا ... وجر ذيول الفخر تيهًا على مصر
هو الشهم عبد الله آل بليهد ... مؤيد دين الحق بالعز والنصر
فمن ذا يضاهيه سموًا ورفعةً ... وفضلًا ومجدًا وهو أوحد في العصر
وماذا يقول الواصفون وفضله ... تجلى فحلى فائق النظم والنثر
إذا رام شخصٌ مادحٌ حصر وصفه ... فقولوا له قصر فقد جل عن حصر
ولما مات رثاه العلماء والأدباء بمراثي كثيرة حسان، وباحوا بما عندهم ونحن نسوق بعضًا من كل، فمن ذلك ما قلناه فيه لما فجعنا بموته، بل الله ثراه بوابل العفو والغفران وأسكنه عاليات الجنان يمتع في جوار سيد ولد عدنان ويطوف عليه بالأباريق والأكواب فيها الولدان:
على الحبر بحر العلم فرد الفضائل ... وبدر الدجى فالبيك كل القبائل
على عالم التوحيد لا زلت باكيًا ... بدمع غزيرِ ساكب بل وهاطل
عنيت به ذا الحزم بل كامل الحجا ... يعز علينا فقده في القبائل
فأعظم بهذا الرزء أي مصيبة ... كفقدٍ لعبد الله زين المحافل