هيهات أودى الردى في غير ما لجب ... بمشمخرٍ من الأطواد ينشعب
حبرٌ من الصفوة الأولى علقت به ... فما فتئت أعاني فيه ما يجب
هوى به الموت في لجي غمرته ... فأين لا أين ذاك المدرة الذرب
في ذمة الله ما ألقى به وله ... من رحمة الله ما نرجو ونرتقب
ما كان إلا جنانًا ثابتًا ويدًا ... تشد أزر الهدى والوعد مقترب
تبلو الشريعة فيه حاذقًا فطنًا ... من الذين لهم في شملها دأب
يجيش كالموج أو كالبحر منطقه ... ولا تباريه في آفاقه السحب
في قلبه من ضحى الإسلام ألويةً ... خفاقةً وهي في غاراته خطب
وفي سويدائه التوحيد مدرعٌ ... حسن اليقين غير أنه لهب
إذا انبرى في مجال من مواقفه ... حسبت سحبان تجثو حوله الركب
عجبت للحد هل في اللحد متسعٌ ... حتى انزوى فيه رضوى فهو محتجب
بشد ما ضاقت الدنيا به أبدًا ... فكيف وأراه شبرٌ وهو منقلب
ما لي وللندب فيمن خطبه جلل ... ومن عليه حدود الله تنتحب
لا نملك اليوم إلا زفرةً ورضا ... بما قضى الله فيه ثم تحتسب
وما قضى من له في ربه أمل ... ولا قضى من له في دينه نصب
فإن ذكراه في الآصال باقيةً ... والموت حق وما من دونه هرب
فضاعف الله أجر المؤتسين به ... في جنة الخلد وليعظم به السبب
وعوّض الدين عنه خير ما طلعت ... عليه شمس الضحى أو غارت الحقب
وقيل فيه مراثي كثيرة رثاه بها الشعراء والأدباء وأطالوا، فمن الذين رثوه الشيخ عثمان بن أحمد بن بشر، ورثاه أيضًا الأخ في الله والمحب فيه عمر الوسيدي وغيرهم، ولا نطيل بذكرها.
ولما مات أحصي ما عليه من الديون فإذا هي كثيرة جدًا فتولى قضائها جلالة الملك عبد العزيز بن سعود، وصليَّ عليه في الآفاق بالنية، وله أنجال كرام ليس فيهم من يسد ثلمة والده، ثم إنه جعل الملك عبد العزيز مكانه في قضاء حائل وما يليها فضيلة الشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش، وكان رزينًا صالحًا وذا شخصية بارزة.