الذكر الحكيم ودراسة أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأمهات، وجعل يتنقل في طلب
العلم ويسعى في نيله لدى العلماء، حتى كان من خيرة تلامذة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، فجعل من ضمن الأعضاء الذين ضموا إلى الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع يرشدون في مساجد الحجاز ويعظون فيها، مضافًا إلى ذلك أنهم أعضاء في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم إنه جعل إمامًا في مسجد الأبطح الذي يقع أمام قصر جلالة الملك في مكة المشرفة، وكان ذلك المسجد يمتاز إذ ذاك في حسن العمارة وقوة البناء بالإسمنت المسلح.
وكان المترجم نابغة في العلم والمعرفة وله ذوق عظيم، يحب البحث في مسائل العلم، وله حظ في الديانة والصلاح، أضف إلى ذلك أنه صبور على أنواع البلايا في بدنه حتى مات في هذه السنة وانتقل إلى رحمة الله، وكان يفوق على زملائه بالعلم، بل كان من خيرهم وأفضلهم.
وفي آخر هذه السنة توفى العابد الزاهد محمد النجيدي رحمه الله تعالى وعفا عنه، وهذه ترجمته:
هو العارف الفاضل التقي الذكي محمد بن إبراهيم بن سليمان بن سعود النجيدي، من عنزة المصاليخ والأصل بقرية القرعاء من قرى بريدة، ولد رحمه الله في سنة ألف وثلاثمائة وأربع عشرة، أخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم، ونشأ يتيمًا في حضانة أخيه سليمان، وكان مقبلًا على الله والدار الآخرة، حليمًا سكينًا يألف المسجد، وقد جعل له حجرة فيه يأوي إليها، ولا يمل دراسة الكتب والنظر في مسائل العلم وفنونه، وقد سلم من الكبر والإعجاب، بل كان غنيًا شكورًا، وكان دائم الخوف والخشوع، فلا يتأثر في الأفراح ولا في الهموم والغموم، وقد ملك لسانه عن القيل والقال وأعرض عن الممدوح والمذموم، وأقبل على خدمة الواحد الحي القيوم، واعتزل الخلائق وقطع من الناس العلائق، فإذا دخل العشر الأواخر من رمضان اعتكف ولم يتكلم إلا في تلاوة القرآن والذكر، ويؤم في مسجد أهل حارته وأسرته، فإذا أقبل موسم الحج ركب ناقته وذهب يؤم الكعبة البيت الحرام، فكان على هذه الحالة حجًا واعتكافًا وعبادة وذكرًا وصلاة.