بريدة يطلبون منه أن يجيبهم إلى ما رغبوا، فرفض وأبي ذلك، فرفعوا إلى صاحب الجلالة الملك خطابًا يطلبون منه أن يتولى قضاء المقاطعة، فبكى واعتذر بكبر سنه، ففاز بالعافية، ولما أن ولاه ابن سعود قضاء البكيرية سنة ١٣٤٧ هـ أمر وكيل مالية بريدة أن ينفذ له ثمانمائة صاع بن وألفي وزنة تمر، وألف ريال سنويًا، فأبى أن يقبلها وقال لوكيل المالية: ابقها في المالية حتى أحتاج إليها، أما اليوم فإنني بغنى عنها، وأبي أن يقبلها، وحج فعلم الملك عبد العزيز بقدومه، فبعث إليه بكسوة وأمره أن يأتي إليه للسلام عليه، فرد الكسوة وجاء صباحًا للسلام على جلالته، فقال له: نفرش لك بيتًا ونؤثثه، فأبي واعتذر بأنه هناك بيت وكل ما يشتهي، فهو عنده، فطلب منه الملك أن يبعث إليه بناقة ليشرب لبنها فقبل، غير أنه لم يتناوله بل كان يشربه أصحابه.
وكان إذا سمع تلاوة القرآن أمر القاري أن يتدبره، وصلي فقرأ بأصحابه في العشاء الآخرة سورة عم والنازعات فسقط مغشيًا عليه رحمه الله.
وممن توفى أيضًا فيها من الأعيان صالح شطا رئيس مجلس الشورى في النيابة، كانت ولادته سنة ١٣٠٢ هـ، ودرس بالمسجد الحرام، وله رحلات متفرقة بين الأقطار، عاد في أعقابها إلى بلاده، ونفي في عهد الحكم السابق، ثم عاد حين تسلسل في وظائف حكومية عالية، منها: إدارة المعارف، وآخرها رئاسة مجلس الشوري بالنيابة، وله عديد نافع من المحاضرات والتهميشات والمقالات الروائع، وكان صريحًا ومثال التضحية والإخلاص والنشاط، ويعتبره أهل الحجاز من أجلة العلماء، لذلك يلقبونه السيد صالح، ويعتبرونه علمًا من أعلام البلاد، حتى قالت إحدى الصحف: أنه كان ملئ السمع والبصر روحًا ونشاطًا وتفكيرًا وحيويةً، مما جعله محل التقدير الخاص والعام، ومحل رضاء الملك عبد العزيز وآل بيته، وإعجاب الشعب على اختلاف طبقاته.
ذلك لأنه كان يعمل على ما يحقق للعروبة عزها، وللإسلام قوته، وكان أوفر ما يكون نشاطًا وصفاء ذهن في سنواته الأخيرة، بل حتى يومه الأخير.