هؤلاء العمال في طلب الرزق وكان المربع مشهورًا بالعاصمة وقد أودع فيه من الغرف والرفعة والزينات ما لا تبلغه العبارة ويحتوي على جوامع ومساجد وتجد سيارات الأجرة في مواقفها ينادي أربابها في الركوب إلى حلة القصمات إلى المربع إلى دخنه إلى الدرعية وغير ذلك. وكان إذا سار من جهة إلى أخرى فإنَّه يحيط به من العساكر والجموع في موكبه شيء عظيم وكل موكبه غارق بالقوة والحديد فلا يستطيع أحد الدنو منه غير أنَّه إذا رأى الفقراء لا يتمالك من القرب منهم لا سيما إذا سمع مظلومًا فإنَّه لا يتجاوز مكانه حتى يكشف مظلمته فتجد المظلوم يتحين لمروره فيقف في الطريق فكان الملك لا يهاب قويًا ولا شديدًا كما يهاب المظلوم حتى ينصفه ويباشر مسألته بنفسه. ولقد رأيت مرة في مكة المكرمة في موسم الحج سنة ألف ١٣٦٣ رجلًا أقبل من مكة يمشي حتى إذا ما توسط من قصر السقاف قصر جلالة الملك في المعابدة وظن أنَّه يسمع صوته وقف وصاح ينادي بأعلى صوته مظلوم وجعل يبكي وينادي بأعلى الصوت. وكانت تلك الرحبة قد رشت بالماء ولا يقربها سوى الحرس أو الأمراء وفيها بعض السيارات الحكومية. فلما تكلم بكلامه المتقدم اندفعت إليه الجنود كأنَّهم السيل المنهمر لأنَّ لا يحدث تشويشًا على الملك، غير أنَّه تمكن من الصياح بصفته رجلًا قويًا وكان حجازيًا ليس على رأسه سوى قلنسوة. فنزل صاحب الجلالة إليه بنفسه على السيارة وكان لمبادرته بالنزول لم يتمكن الحرس من اللحاق به سوى قدر من خمسين حارسًا، فأمر بأن يحضر المظلوم بين يديه بباب القصر فأركبه وصعد به إلى المجلس ثم سأله عن ظلامته فادعى بأنَّه دعس ابنه وضاع الذي دعسه ولم يؤخذ حقه وجعل يبكي ويسترحم ويلوذ بعدله عن الظلم. فسأله منذ كم أصيب ابنه فأجاب بأن مضى شهر وهو يطالب بدمه ولم يصل إلى الحقيقة. فما كان إلاَّ قليل حتى أحضر بين يديه المسؤولين عن أعمال مكة فأجلسهم أمامه وجعل يتهددهم ويتوعدهم حتى