ما رأت مثله العصور عظيمًا ... عبقريًا ولا تهادي الركاب
عاهل وطأ الجزيرة مجدًا ... لبسته البلاد والأحقاب
طأطات دونه العروش وألقت ... بعصاها الخطوب والأسباب
واستقرَّ التوحيد فيه هزبرًا ... تتهادى بسيفه الأنصاب
أنجز وعد الله فيه حتى ... أسلمته زمامها الآراب
يقف النصر والعتاد يقين ... واقتضى الدهر ما طواه التراب
فإذا الصعب في يديه ذلول ... وإذا الجدب في ذراه اختصاب
وإذا الدين للهداة منال ... وإذا العلم في ضحاه قباب
وإذا العرب دولة ذات بأس ... وهي من قبله لقى ويباب
وإذا الناقمون من كل قبل ... وقبيل بشدقه أنياب
وإذا البأس والشقاء نعيم ... وإذا الشاء والذئاب صحاب
وإذا الأرض بالكنوز تنزي ... وإذا المال والثراء وطاب
وإذا البيد بالحدائق زهر ... وإذا الغيد عفة وحجاب
جمع الله في هواه شتاتًا ... وأباة ولم يعزه العقاب
وبه استمسك البناء وزانت ... شرعة الحق وازدهى المحراب
أين أمضي وكيف لي بالمعاني ... وسعت كل ما أحاط الكتاب
إنَّه للغرور، كل يراع ... فيه يكبو ويعجز الإِطناب
لكأني أحس قلبي صلدًا ... أو جمادًا طغى فيه الضباب
إنَّ خير البيان عندي صمت ... هو في معرض الرثاء العجاب
فاقوي عليه إذ هو جمر ... فيه ألقي وبالشواط أذاب
إلى أن قال:
ما مصابي كواحد من معد ... بل معد بأسرها الانتحاب
بالعظيم العظيم يرتد عنه ... كل طرف وتقصر الاحساب
بالذي فيه كل عين وقلب ... لهب وافر وحزن صلاب