للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللسان نعرفه فما مخموم القلب قال: هو النقي التقي لا إثم عليه ولا بغي ولا غل ولا حسد وبالجملة فإنَّه من الرجال الذين يدافع الله بهم العذاب عن أهل الأرض". ولمَّا وقعت النكبة على أهل بريدة من جراء السيول التي ألقت البيوت على وجه الأرض مهدمة وتركتها خرابًا يبابًا حتى أنَّ المسلمين من قام يهدم أعالي بيته لعله أن يخف الحمل على الأساس واشتدت الكربة وعظمت الفادحة جعلت أتذكر أولياء الله الأحياء الذين يطفؤون غضب الرب ويرحم الله بهم العباد والبلاد فلم أرَ على وجه البسيطة ممن كنت أعرفهم سوى ثلاثة رجال هو أحدهم (١) ومن الغرباء الذين قال فيهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد النَّاس" وفي رواية: "يصلحون ما أفسد النَّاس" وفي رواية: "يصلحون ما أفسد الناس من سنتي" وكان يأكل من كسب يده لأنَّه كان خطاطًا ونسخ كتبًا بيده كثيرة وكان موضع الثقة في العقود والوثائق ونفع الناس وقد تأتيه مساعدات قليلة على مونة الدنيا من بيت مال المسلمين ونزر يسير من الأجواد وبكل حال فإنَّه يظهر نعمة الله عليه ولا يطلب الدنيا من أحد وقد لبث في طلب العلم ما يقرب من أربعين سنة قضاها في الدراسة والمراجعة.

ولم تأخذه عزة النفس عن أن يأخذ العلم من أحد العلماء كائنًا من كان


(١) فسر بعض العلماء قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} أنَّه يدخل في ذلك دفع الله العذاب على العصاة بأهل الطاعة وورد في بعض الآثار يقول الله عزَّ وجلَّ: إذا أردت إنزال عذاب بأهل الأرض نظرت إلى المشائين على أقدامهم إلى الجمعات والمتعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرين بالإسجاد فاصرف العذاب عن الناس ورأى بعض السلف فريقًا من ملائكة نزلت فقال بعضهم لبعض: أخسفوا بهذه القرية فقال بعضهم: كيف نخسف بها وفلان فيها قائم يصلي، ورأى بعض المتقدمين في منامه منشدًا يقول:
لولا الذين لهم ورد يصلونا ... وآخرون لهم سرد يصومونا
لدكدكت أرضكم من تحتكم سحرًا ... لأنكم قوم سوء ما تطيعونا