متعفِّفًا صالحًا صبورًا على حلو الزمان ومره، وكان قليل ذات اليد لكنَّه متكل على الله عزَّ وجل ومفوض أمره إليه ويتمتع بحسن الخلق ورحابة النَّفس حتَّى لكأنه غني.
ومما جرى من خوارقه أن زوجته جاءت إليه من آخر النهار وهو يقرأ في مدارج السالكين للحافظ ابن القيِّم فشكت إليه أنهم لا يجدون قوتًا للأولاد تلك الليلة وكان مكبًا على المطالعة لابسًا نظارتيه فقال لها يأتيك رزقك واستمر في المطالعة ولم يلتفت إليها فلما أن أوشكت الشَّمس من الغروب رجعت إليه تقول يا أبا حماد التفت يمنة أو يسرة للصبية أمَّا أنا وأنت فنصبر على الجوع فرد عليها برفق ولين يقول: يأتيك رزقك. يكرر هذه اللفظة ولا يزيد عليها ثم إنَّه قام للصلاة مع الجماعة ولما أن رجع من صلاة المغرب وجد صينية مملوءة من الأرز والجريش وعليها اللحم وأنواع الخضار وقد أهديت إليهم ذلك بأن رجلًا لديه ضيوف وقد أعد لهم طعامًا كثيرًا فلم يأتِ إلَّا بعضهم وكان قد كفاهم صينية ففكر في الثَّاني وقال لزوجته اذهبي به إلى بيت الرسي فعسى أن يكونوا بحاجة إليه فذهبت به إليهم ولما رآه زاهدنا قال لزوجته قلت لك يأتيك رزقك فأكلوه هنيئًا مريئًا وحقق الله ظنه فيه وهذا من صدق اليقين وقوة التوكل. وركب ذات يوم في سيارة لزيارة أقرباء له في الرياض فكان سائق السيارة ممن ابتلاهم الله بتناول التتن ولديه وقاحة لأنَّ بعض المبتلين به كالجعل الذي يدهده الخرء بأنفه لا يأنف من ذلك ويظن النَّاس مثله فنصحه بأن لا يجاهر به قائلًا يا أخي إنَّه مضر ولا تعجبنا رائحته فلم ينته ثم أنَّه امتص سيجارته ونفخ بالدخان في وجهه علاوة على رده للنصيحة فبكى لهذه الإهانة ورفع طرفه إلى السماء ودعا عليه بأنه يخصه الله بعقوبة من بين الركاب فقدر أنَّها توقفت السيارة عن السير فنزل ورفع الكبوت لتفقد المكينة فثارت النَّار في وجهه وصار مشوهًا بحرق حاجبيه وشعر عينيه وأهدابها، وما حصل على وجهه فذهب إلى المترجم يريه كيف صنع الله به ويسأله أن يسمح عنه ويعاهده أن لا يعود.