المستمعين ونادى بأعلى صوته لو أنك سرت في طريق وقيل لك لا تخرج عنها يمنة ولا يسرة فإن خرجت يمنة أخذتك الحرامية واللصوص ولئن خرجت يسرة لكنت فريسة للضياع، نعم كان مثلًا مطابقًا غير أن ذلك الرجل كان جاهلًا لا يعرف عن ذلك سوى أنَّه كان في أول عمره يسافر مع العقيلات إلى بلاد الأجانب ثم إن الله مَنّ عليه في آخر عمره بالجلوس في بريدة من بلاد المسلمين ويلازم الصلوات الخمس في جماعة ويحضر مجالس الذكر مستمعًا فأجابه يقول كيف أضيع وأنا خريت وماهر في الدلالة لا أسير إلَّا مع رؤوس الجبال وأعالي الكثب الرملية ومتاهات الطرق، ولا أضيع وتنسبني إلى الضياع هداك الله، فقال له المترجم بأعلى صوته لا ولكني أضرب لك مثلًا في أن من لزم الصراط المستقيم يكون آمنًا ولكن ذلك الجاهل صمم على رأيه يقول أقال الله عثرتك كيف تنسبني إلى الضياع فسل العقيلات عن دلالتي وأني ماهر في الطرق لا يزيد على ذلك شيئًا، فكان في واد والمترجم في واد.
وكان لا يسأل الناس شيئًا ولا يطلب من بيت المال إلَّا ما جاءه من غير مسألة وعف عن الوظائف كلها فلم يقبل وظيفة.
وكان في صفته أبيض اللون مشرق الطلعة كان وجهه قنديل عليه آثار النور والعبادة وله حظ من قيام الليل مربوع القامة جميل المنظر ويؤم في مسجده في صلاة التراويح في رمضان وقيام الليل على الدوام حتَّى أعياه الكبر وضعف بصره في آخر حياته حتَّى فقد البصر، ولم يطلب العلاج رجاء حديث الثواب، وكان قويًّا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواليًا لأولياء الله معاديًا لأعدائه وربما ناله بسبب ذلك أذى من بعض الرؤساء الجهال فيصبر على ما أصابه ولا يداري في أوامر الله أحدًا كائنًا من كان وكان دائم الخوف ويقول لمن يثق به أخشى أن يكون الله قد مقتنا ولا تعجبه حالة زمانه بل كان قليل الضحك وقورًا فلذلك كان مسموع الكلمة لدى الرؤساء لإخلاصه وحُسن مقصده.