إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: ٤٦] , وقد حث تبارك وتعالى على الثبات وذكره تعالى في الاجتماع وتوحيد الصفوف، والتكاتف والتعاضد يحصل للمقصود وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤)} [الصف: ٤] , وما حصل من الانهزام والفشل إلا بتفرق الكلمة والتنازع والتخاذل وإحداث نيات لا يرضاها الله ولا رسوله، ولو أن العرب صدقوا الجملة ووقفوا صفًا واحدًا متماسكين متكاتفين لهزموا من أمامهم، وسيجمع الله كلمتهم إن شاء، وتتحسن نيتهم ويزول الشقاق فيما بينهم، وليعلم أن الذي أخرَّ العرب وحصد شوكتهم وأوقع الوهن في قلوبهم والرعب، ونزع هيبتهم من صدور أعدائهم هو ما ذكرنا، فلا قلةً غلبوا وذلك ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكيف ينتصروا وأوقع الله العداوة فيما بينهم، وتشتت شملهم، وأصبح غالبهم يتناحرون فيما بينهم، وشغلهم الله بأنفسهم، وأصبحت الأمم الأخرى يشمتون بهم، فهذه إيران والعراق يتقاتلون، وهذه لبنان انشقت انشقاقًا، وثارت المواضع فيها أحزابًا يتقاتلون، يكون بحيث لم يجر فيها ذلك النزاع من قديم الدهر ولا حديثه، فسمير جعجع يقاتل عونًا وحزب أمل يقاتل حزب الله الذي سمى نفسه بذلك، وهو التابع لإيران، كما أن الأول تابع لحكومة سوريا، وأصبحت لبنان مسرحًا للقيل والقال والزعازع، وعجزت الأمة عن تسكين تلك الثوائر، كما أن اليهود استولوا على جنوب لبنان وأصبحوا يتقاتلون مع الأهالي والفلسطينيين، وفي ذلك عبرةً لمن يخشى، ولم تجر تلك المذابح في قديم الدهر ولا حديثه، ويمكن أنه لو سكنت تلك الفتن والمحن لما عاد لبنان على وضعه إلى بعد مضي عشرين سنة، أما عن فلسطين وما أصيبت به من الهلاك والدمار فقد التهبت أراضيها ثأرًا وعذابًا بين اليهود وشباب فلسطين، وكانت اليهود تستخدم عليهم الأسلحة النارية، ولم تتورع عن قتل النساء والأطفال الذين لا ذنب لهم، وقامت بهدم المنازل وتشريد السكان، وتطردهم عن مساكنهم كما قدمنا, ولم ترع كبير ولا صغير، وآخر شيء أن