الأفعال الجنونية، ثم أصبح سفاكًا للدماء لا يتمالك عن القتل وإراقة الدماء عمن تحت يده فكم من بريء قتله وكمِّ ثكلى أصبحت تبكي زوجها وابنها وأخاها وقريبها الذي قتله بنفسه أو جرَّ عليهم بالقتل، فهذا من جهة ومن جهة أخرى وهي الأمر الثاني أن يكون عقوبة على العراق وأهله عاقبهم الله به حتى صاروا حديثًا للأمة إلى يوم القيامة، فلا ريب أن عقوبات الذنوب والمعاصي تتنوع تارةً بالخسف وتارةً المسح، وتارةً بالحصب، وتارةً بتسليط الأعداء، وتارةً بتسليط بعض الناس على بعض كما في قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}[الأنعام: ٦٥]، وقد وقف أهالي العراق مكتوفي الأيدي لا يستطيعون خلع هذا الرئيس الذي يملك بحرسه القوة والسلاح، فلا يملكون مقاومته، فكان بذلك عقوبة عليهم، ومن عجائب الزمان إهماله والغفلة عند تلك المدة، بحيث تمكن من جمع أسلحة لا تبلغها القيادة من جيرانه الذين أحسنوا فيه الظن، وانخذعوا له بأنه يدافع عنهم، فلم يشعروا حتى كان خنجرًا في حلوقهم وقاتلهم بسلاحهم الذي أمدوه به وغدرهم وخانهم، ولقد أطلع إخوانه وحرسه على ما يسره في نفسه وحذروه من الغدر والخيانة التي تكشفت في آخر ليلة يظهر في أولها الصداقة وفي آخرها، يمضي على ما خططه من احتلال الكويت وإطلاق الصواريخ على حليفته السعودية، كما أن الغفلة عنه بحيث يبني بيوتًا تحت الأرض مؤقتة وأتباعه من أذنابه وحرسه من ضرب القنابل، فإن عظمت لمن أعجب بها، ولما أن أغارت عليه الجنود التحالف ضده، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من أن يقبضوا عليه أعطاهم العهود والمواثيق بأن ينزل على إرادتهم وينفذ طلباتهم، لكن ظهر كاذبًا متمردًا بحيث أنه بَعثيٌّ كافر لا يؤمن بيوم الحساب، ولا قيمة للدين في عهده، ولا ميثاق، فلا مانع إذا أعادت عليه الدول الكبار التي أوقفته عند حده، ولم يرعوا عن غيه وضلاله، ولما أن دنى الموعد المحدد ولتسلم العراق أسلحتها الكيماوية والذرية أو ضربه مرةً أخرى لأنه ظهر باكتشاف الأقمار الصناعية إصرار العراق على عدم إبراز الأسلحة الخطرة