يتقدم إليه منهم شريف ولا وضيع ولم يتجاسر أحد من الملوك والحكام على هتك ذلك المشهد، وترك الرجل وبيته ولم يرزأ بشيء احترامًا للمشهد، واجتمع طائفة من التجار وجعلوا له منهج الإنضار والتيسير واتفقوا على تنجيمه مدة سنين، وذلك بإرشاد من أهل العلم إذ ذاك والدين، وكان ذلك في ١٢١٠، فلو أن هذا المنكسر لاذ بالله وتعلق بأستار بيته لما التفتوا إليه، ولم يرعوا لله حرمه بل أخذوه وغلوه وهتكوه وعذبوه، فانظر كيف كان قدر هذا العلوي أعظم عندهم من قدر الله تبارك وتعالى قبحهم الله أنى يؤفكون.
أما بلاد مصر وصعيدها وأعمالها فقد جمعت من الأمور الشركية والعبادات الوثنية، والدعاوي الفرعونية ما لا يتسع له كتاب، ولا يحصره خطاب، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح، ويعدونها من أعظم الفضائح قد قلبت من الدين رسمه، وغيرت منه اسمه، وكان عنهم مشهد البدوي الذي لا يعرف له أصل ولا فضل ولا عبادة، بل قد افتتنوا به وصرفوا له الألهية من دون الله، وقد جاوزوا به وبأمثاله عندهم من المعبودين ما ادعته الجاهلية لآلهتهم، وجمهورهم يرى له من تدبير الربوبية والتصرف في الكون بالمشيئة والقدرة العامة ما لم ينقل مثله عن أحد بعد الفراعنة والنماردة، وبعضهم يقول القطب أحمد يرجعون إليه.
وكثير منهم يرى أن الأمور شورى بين عدد ينتسبون إليه، وكانوا يتداولون بينهم حكايات، ويحكون في محافلهم مجريات من أفحش المنكر والضلالات، فيقولون فلان استغاث بفلان فأغيث، وفلان شكى لصاحب القبر حاله وأمره فأغاثه. وكشف ضره.
وكان بعض أهل مصر يعتقدون أن أحمد البدوي يتصرف في الكون، وبعضهم يقول إن الذين يتصرفون في الكون سبعة ويعده معهم، وبعضهم يقول أربعة، وكانوا بزعمهم البدوي والرفاعي، والدسوقي، وأبو العلاء، وهؤلاء في مصر.
وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمة الله عليه أنه في حال لبثه بمصر، وجد فيها عالمًا متفننًا إذا أخذ يعبر عن المسائل الأصولية، والفرعية، فكأنه البحر