حذوهم، فيأتون قبر بن علوان، ويصدونه في نوائب الزمان، ويستغيث به كل لهفان، ويسميه الغوغاء منهم منجي الغارقين، كما حكاه بعض السامعين، وكانوا ينذرون له في البر والبحر، وبفعلون في حضرته أمورًا تريوا على العدو الحصر؛ يطعنون أنفسهم بالسكاكين والدبابيس، وقد جعلها لهم عبادة إبليس، ويقولون وهم يرقصون، ويغنون له ويطربون، قد ملأ الوجد منهم ألبابا، وذهنًا يا سادتي قلبي بكم معنى، ويفعلون عند قبره الموالد، ويجتمع عنده أنواع الكفار لفعل المعاصي والمفاسد؛ فليس في أقطار اليمن في ذلك الزمان من يساويه في الاشتهار، بل ولا في سائر الأقاليم والأقطار، فيا ليت شعري أما علموا أنه مخلوق مربوب، وبمعاصيه مطلوب، وإنه من جملة الأموات الذين لا يستطيعون زيادة في الحسنات، ولا نقصًا من السيئات. فسبحان من يحلم على العصاة، ولا يعاجل بالعقوبات.
وأما أهل حضرموت والشحر ويافع وعدن؛ فقد ثوى فيهم الغي وقطن، وعندهم العيدروس الذي كابروا فيه بغلوهم المحسوس، يقول قائلهم عند قبره وهو مستجير، وقد التفت عن السميع البصير شيء لله يا عيدروس، شيء يا محي النفوس، وكذلك ما يفعل في بلدان الساحل.
وما يجري من أهل المخا عند قبر علي بن عمر الشاذلي، وأهل الحديدة في قبر صديق، فإنه قد أقبل على تعظيمه، والغلو به كل فريق وأدى بهم الحال إلى أنه لا يمكن أحدًا يريد ركوب البحر، والنزول منه حتى يجيء إليه ويسلم عليه، ويطلب منه الإعانة والمدد.
وأما أهل اللحية فعندهم الزيلعي، يسمونه الشمس من غير اختلاف، فيه عندهم ولا لبس، وسبب هذه التسمية لأنه ليس عليه قبة، بل هو مكشوف، وكان أهل البادية منه يزعمون أنه كان رسولًا في حاجة فضايقه غروب الشمس، فقال لها: قفي فوقفت وامتثلت أمره؛ والله يعلم ظاهر الحال وسره، فبذلك كان لديهم معروف، وجميع نوع من النذر إليه مصروف.