بأوامر الله ورسوله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهجر ما كان عليه الخلوف من البدع والأغيار، وجادل وقرر الحجج والبينات، وبذل نفسه لله، وأنكر على أصناف بني آدم الخارجين عن سواء السبيل، وما زال هذا دأبه حتى ظهر الإسلام في الأرض، واستجاب له من أراد الله هدايته من الحاضر والباد، وانقمع به أهل الشرك والضلال والفساد.
وكان أهل حريملا إذ ذالك قبيلتين أصلهما قبيلة واحدة، وهم رؤساء أهل البلد، وكل قبيلة ترى أن الأمر لها وليس لواحدة منهما سلطة على الأخرى، وما كان للبلد رئيس يرجع إليه ويزع الجميع بل كان الأمر يكاد أن يكون فوضى، لأن بلدًا لا رئيس له تكثر المنازعة فيه، وما حصل الشقاق في قديم الدهر وحديثه إلا عن عدم الرؤوساء القدراء الذين بإمكان الواحد منهم أن يوقف كل معتد عند حده فثار عبيد لإحدى القبيلتين يقال لهم الحميان، قد كثر فسقهم واعتداؤهم بين الأمة على الشيخ وأرادوا الفتك به، وأن يبيتوه ليلًا وتعاقدوا سرًا على ذلك، لما كان من منعه لهم عن الفساد والمنكر والغي، فلما تسوروا عليه الحائط ليلًا علم الناس فصاحوا وهرب العبيد فتبين من هذه الخطة التي أجمعوا كيدهم بها للشيخ أنه مهدد بالخطر الفادح.
فانتقل من حريملاء إلى العيينة، وكان رئيسها يومئذ عثمان بن حمد بن معمر فرحب به وتلقاه، وأكرمه وتزوج فيها الجوهرة بنت عبد الله بن معمر، وعرض على الأمير عثمان ما قام به، ودعا إليه وقرر له التوحيد، وشجعه على نصرته، وقال إني أرجوا أن أنت قمت بنصر لا إله إلا الله أن يظهرك الله وتملك نجدًا وأعرابها، فساعده عثمان بن معمر في بادئ أمره وأعلن الشيخ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبعه أناس من أهالي العيينة فقوي عزمه وقام لإزالة أشجار بها تعظم ويعلق عليها، فبعث إليها سرًا من يقطعها بأجرة من ماله فقطعت.
ومن ضمن هذه الأشجار شجرة عظيمة عندهم من أعظم الأشجار لم يتمكن من قطعها مباشرةً فخرج بنفسه سرًا لذلك غير أنه وجد عندها راعي غنم أهل البلد فصده عنها، وخافه الشيخ بأن ينم عليه فأعطاه أحد أسلابه التي عليه فلان له الراعي، وتركه وشأنه فقطعها.