للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن الشيخ قصد بلد الدرعية فوصل أعلاها في وقت العصر، فنزل على محمد بن سويلم العريني في بيته ونزل في ضيافته، ولما أن دخل عليه ضاقت عليه داره، وخاف على نفسه من أمير الدرعية محمد بن سعود فوعظه الشيخ، وسكن جأشه، وقال سيجعل الله لنا ولك فرجًا ومخرجًا فياله من امتحان وابتلاء لهذا الشيخ، ولكن كما قيل في كلام الحكمة: اشتدى كربة تنفرجي.

قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: ٣١].

وقال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: ٢١٤]

فإن كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أذاه أهل مكة وخرج منها إلى الطائف يريد النصرة فخذله أهل الطائف، ورجع منها مهمومًا مكسوف البال فلا تباعه فيه أسوة.

وما أشبه الليلة بالبارحة، فعلى المؤمن الموفق أن يوطن نفسه وينتظر الفرج ويعلق أماله بربه، وكفى به حسيبًا.

ولما أن علم بقدومه خصائص من أهل الدرعية زاروه خفية فقرر لهم التوحيد وأستقر في قلوبهم فأرادوا أن يخبروا الأمير محمد بن سعود، ويشيروا عليه بنصرته، ولكنهم هابوه وخشوا سطوته، فاستعانوا عليه بزوجته موصي بنت أبي وهطان، وكانت نبيهة وذات عقل ومعرفة وهي من آل كثير فأتوا إليها وأخبروها بمكانة الشيخ ومنزلته، وما يأمر به وينهى عنه، وعلقوا آمالهم بعد الله عليها يطلبون مساعدتها لهم نحو الأمير، فوقر في قلبها معرفة التوحيد، وقذف الله حب الشيخ في قلبها، وانبعثت إلى زوجها تشجعه وتحثه على النصرة، وأخبرت الأمير بشأن الشيخ وطلبته مناصرته، وقالت له إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله إليك فأكرمه وعظمّه، واغتنم نصرته، فإن الله ناصرك ومؤيدك، فقبل الأمير مقالتها