على كل ما يرزا به يلق صابرًا ... صبورًا على الشدات عند النوائب
لقد نصر الإسلام بالبيض والقنا ... وبالنفس حتى دان كل محارب
فلا زال من أبناءه الغر قادةً ... يحامون عن دين الهدى كل خائب
أولئك الأنجاب من آل مقرن ... ليوث لدى الهيجاء لكسر الكتائب
فمن مثلهم في الناس جودًا وعفةً ... وحزمًا وإقدامًا غيوث المساغب
فما أحسن التقوى وأبهى لباسها ... مجملة أصحابها في النوائب
ولما هاجر المهاجرون إلى الدرعية واستوطنوها كانوا في عيش ضيق وحاجة شديدة وابتلوا بلاء شديدًا في ضيق المعيشة، فكانوا في الليل يحترفون بالأجرة، وفي النهار يتعلمون من الشيخ حلقًا في المساجد، يذاكرون في الحديث وفنون العلم، أضف إلى ذلك أن أهل الدرعية إذ ذالك في غاية الضعف، وضيق المؤنة، ولكن قد قال المبعوث إلى كافة الناس في وصيته للحبر ابن عباس:"واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا"، وجعل الشيخ رحمه الله يتحمل الذين الكثير في ذمته عن المهاجرين لمؤنتهم، وما يحتاجون إليه، وفي حوائج الناس وجوائز الوفود إليه من البلدان والبوادي، وكان استيطانه للدرعية سنة ١١٥٨ هـ.
وقد قدم عليه عثمان بن معمر في الدرعية لما علم أن بن سعود قد أواه ونصره، وأن أهل الدرعية فرحوا به وأقبلوا عليه، كما أنه قد هاجر إليه من العيينة أناس وفيهم من هم من أسرته، وتركوه وبلاده، وكان قد ركب إليه في عدة رجال من أهل العيينة ورؤسائها، وندم على طرده وخاف منه أمورًا تتفاقم عليه.
ولما أن قدم على الشيخ في الدرعية حاوله على الرجوع معه، ووعده النصرة والمنعة، فقال له الشيخ: ليس هذا لي إنما هو إلى محمد بن سعود، فإن أراد أن أذهب معك ذهبت، وإن أراد أن أقيم عنده أقمت، ولا أستبدل برجل المقاني غيره إلا أن يأذن لي، فأتى عثمان إلى أمير المؤمنين محمد بن سعود يطلب منه الشيخ فأبى عليه،