فإن عشت لا أنساه في كل محفلٍ ... إذا كان نشر الثنا خير ما غنم
بنشر يضيق الحصر عن حصر بعضه ... ونظم مدى الأيام مهما لي انتظم
وإن كنت في الإنشاد لست كمن مضى ... فكم من حسام لم يغلل في البهم
وكم من صموت لا يراعا وربما ... إذا أطربت أقوال جل الورى خصم
وكم معرض والناس ما عنه أعرضوا ... إلا إِن من أشررهم قل من سلم
فعش وابق عبد الله واسلم لنا ودم ... عن العشر مغنًا والعدوان لنا زحم
إلهي أَوله المكارم والغنى ... وسدد وأبعد كل سوء له يهم
وقال أيضًا يرثاه لما قتل مظلومًا وفجأةً بيد من لا يفلح، فرثاه شاعرنا بهذه المرثية العجيبة الفصيحة التي شفت وكففت فالله المستعان:
خلى الربع من سلمى فأصبح مسفرًا ... وقد كان مأنوسًا به البيض تسمر
ليالي إذ سلمى فتاةٌ كأنها ... من البان أنبوبٌ به الطلع يزهر
وإلا من اللائي رعين بوجرةٍ ... مهاة دعاها بالخميلة جوذر
سقته السواقي بعدما كان حقبةً ... براحٌ عليه بالعشي وينشر
وتختلف الأنعام بين مروجة ... وتدني به اللذات والعيش أخضر
عفى غير آثار الجياد وجثم ... وأشعث مشجوجٌ ونو بدور
سقى الله هاتيك الربوع بها طل ... من الدلو لا نخلو مدى الدهر تمطر
عهدت بها الحي الجميع فأصبحت ... طيور النوى تشدوا بها ثم تصفر
سليما بنا الأحزان لمت فآلمت ... وهل هيج الأحزان إلا التذكر
فمالي وما للهو إذ شاب عارضي ... وعالٍ سواد الرأس شيبٌ يفكر
ذريني وما قد كان مني صبابةً ... وبكى فإن الرزء أدهى وأكبر
فيالك من خطبٍ أصم مسامعي ... وعيني دوامًا دمعها يتحدر
كأن فؤادي بين أظفار طائر ... يمزقه في الجو ساعةً يشهر
نهاري كليلي بل ونومي كيقظتي ... ويسري كأعساري وعيشي ممرر
على طاهر الأثواب إذ سكن الثرى ... وقد كان يثري بالجزيل ويغمر