لا يصلي عليه فيها، وأنتم ترونها سنة فأصبح تعظيمهم له أعظم من تعظيمكم واحترامكم، أما دعائه وسؤاله الحاجات فغير مشروع.
ثم إنه دعى الشريف بطعان الغداء وقدم لذلك المأكولات قائلًا: اطعموا ضيفنا من غدائنا، تقدم أيها الشيخ للغداء فاطعم معنا، وكان رحمه الله قد غاب عن رفقته وتأخر عنهم، ولم يعلموا بما صدر منه ولا بغيابه، فقال: يا حضرة الأمير إن كرامة النفس فيما يلائمها ويوافقها وأنا لا يعجبني هذا الطعام، فأجابه الشريف قائلًا: وما طعامكم؟ فذكر له أن العجين يجعل أقراصًا فيلقى في الماء بعدما يغلي فيخرج من ذلك المرقوق وهو الذي يعجبني، فضحك لذلك الشريف ضحكًا شديدًا وقال: هل تريد الذهاب إلى رفقتك فإنك علينا لعزيز، قدم طلب ما تريده منا، فأجاب قائلًا: أريد بعيري والذهاب إلى رفقتي الذين لا يعلمون كيف حالتي، فأمر خادمًا أن يذهب به إلى ناقته التي قدم له البرسيم إكرامًا لصاحبها وشيعه مودعًا، فأخذ بخطامها وعاد إلى رفقته مصحوبًا بالسلامة.
ومن العجب أنه لم يخبر الشيخ والزملاء إلا بعد رجوعه إلى بريدة لما جلسوا على مائدتنا في القصيم، وكان سنه يوم وفاته ستًا وعشرين سنة، وهو أكبر إخواني وله قصائد حسنة، فنذكر منه قصيدة أنشأها جوابًا لقصيدة لبعض الأحباب وهي:
لك الحمد اللهم في كل حالةٍ ... على نعم تسموا على عد حاسب
ومن بعده أزكى صلاةٍ على الذي ... أقام منار الدين في كل جانب
كذا آله مع صحبه ثم تابع ... على المنهج الأسنى على المراتب
وسار على قصد عن الميل معرضًا ... ولم يثنه عذل العداة الكواذب
وبعد فقد عم الفتور مع المنى ... وكذا العجز والتسويف في كل جانبٍ
نقضي زمانًا بالمنى ثم نرتجي ... ونبغي ارتقاء الذرى والمراتب
وما ذاك إلا كالسراب بقيعةً ... يراه الذي يهواه عذب المشارب