ولقد كان العسر والمجاعة التي خيمت بين بيوت أهل جدة أشد عليهم من الحرب وكادت الأرزاق أن تنفد، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ثم أعلن صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن العفو العام وهو كل من كان في خدمة الحسين أو غيره هو في أمان الله إذا أراد أن يرجع إلى مكة.
وبما أن الطريق انفتحت بين أم القرى وجدة فقد أخذ يزداد عدد الفارين عن طريق الليث، ورابغ إلى أم القرى ونفر الجند إلى التمرد والعصيان خصوصًا من ضباط وجنود إذا هم أحبوا الخروج إلى معسكره، وعرض فوق ذلك المساعدة المالية على من أحب منهم السفر إلى وطنه وكان لهذا البلاغ التأثير السريع المطلوب فسرحت القيادة الهاشمية عددًا كبيرًا من الجنود الفلسطينيين وسافروا إلى العقبة وعاد الإخوان إلى معسكرهم في الرغامة وفي سفح الجبال بأمر السلطان عبد العزيز يقودهم أخوه عبد الله وابنه الأمير فيصل.
وكان صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن كثيرًا ما يقول في مجالسه الحربية التي كان يحضرها أمراء الجيش والعلماء، ثلاثة أخرتني عن الهجوم وحملتني على تفضيل الحصار على القتال وهي: الحرص على جنودي، والمحافظة على الأجانب، والفرصة المنتظرة، أضف إلى ذلك ثقته بالنتيجة المرغوبة فيما أقدم عليه كيف وقد دنت تلك الفرصة وحان وقتها، فوا أسفًا للملك علي هذه فرص النصر تنقص يومًا فيومًا والإخوان قد طوقوا بلاد جدة وجنوده يهددونه ويطالبونه بالنفقة فهل يجيء هذا اليوم بالسلم، أم بالهجوم العام هيهات لا مفر ولا محيص أين من يكشف الغمة إذ ليس في وسع أحد أن يجيب السؤال غير واحد في القيادة العامة كلها، ألا وهو السلطان عبد العزيز فلا تسأل عن حالة علي فقد كانت حواسه في اضطراب دائم وأعصابه في هياج مستمر مما كان يسمعه ويشاهده في قصره وفي حكومته وفي جنده وفي بلده كل يوم بل كل ساعة فلم ير مهربًا والحالة هذه من ذلك العمل الأخير الذي فيه راحة باله في الأقل وصون صحته وشرفه، ففكر في هذا الأسبوع ورأى أن جميع المصائب التي حلت به وبأبيه إنما جاءت من قبل أخيه عبد الله الذي