للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله وليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته. قال ابن إسحاق: فلما أجمع رسول الله [الخروج] (١) أتى بأبكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته. وقد روى أبو نعيم من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق. قال: بلغني أن رسول الله لما خرج من مكة مهاجرا إلى الله يريد المدينة قال: " الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا، اللهم أعني على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام. اللهم أصحبني في سفري. واخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني ولك فذللني. وعلى صالح خلقي فقومني، وإليك رب فحببني، وإلى الناس فلا تكلني، رب المستضعفين وأنت ربي أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السماوات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن تحل علي غضبك، وتنزل بي سخطك، أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك وجميع سخطك. لك العقبى (٢) عندي خير ما استطعت، لا حول ولا قوة إلا بك ".

قال ابن إسحاق: ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة - فدخلاه، وأمر أبو بكر الصديق ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر. وأمر عامر بن فهيرة (٣) مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يريحها عليهما [يأتيهما] إذا أمسى في الغار. فكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به، وما يقولون في شأن رسول الله وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر. وكان عامر بن فهيرة يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا. فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة أتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفي عليه. وسيأتي في سياق البخاري ما يشهد لهذا وقد حكى ابن جرير عن بعضهم أن رسول الله سبق الصديق في الذهاب إلى غار ثور، وأمر عليا أن يدله على مسيره ليلحقه، فلحقه في أثناء الطريق. وهذا غريب جدا وخلاف المشهور من أنهما خرجا معا.

قال ابن إسحاق: وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما، قالت أسماء: ولما خرج رسول الله وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي. قالت فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشا خبيثا - فلطم خدي لطمة طرح منها


(١) من ابن هشام.
(٢) من أبي نعيم، وفي الأصل العقبى.
(٣) عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر الصديق، وكان مولدا من مولدي الأزد. أسلم وهو مملوك، فاشتراه أبو بكر وأعتقه، شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة. قتله عامر بن الطفيل

<<  <  ج: ص:  >  >>