للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى السهيلي وغيره عن الامام مالك أنه قال: أول السنة الاسلامية ربيع الأول لأنه الشهر الذي هاجر فيه رسول الله .

وقد استدل السهيلي على ذلك في موضع آخر بقوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم) أي من أول يوم حلول النبي المدينة، وهو أول يوم من التاريخ كما اتفق الصحابة على أول سني التاريخ عام الهجرة. ولا شك أن هذا الذي قاله الامام مالك مناسب، ولكن العمل على خلافه، وذلك لان أول شهور العرب المحرم فجعلوا السنة الأولى سنة الهجرة. وجعلوا أولها المحرم كما هو المعروف لئلا يختلط النظام والله أعلم.

فنقول وبالله المستعان: استهلت سنة الهجرة المباركة ورسول الله مقيم بمكة، وقد بايع الأنصار بيعة العقبة الثانية كما قدمنا في أوسط أيام التشريق وهي ليلة الثاني عشر من ذي الحجة قبل سنة الهجرة، ثم رجع الأنصار وأذن رسول الله للمسلمين في الهجرة إلى المدينة فهاجر من هاجر من أصحابه إلى المدينة حتى لم يبق بمكة من يمكنه الخروج إلا رسول الله ، وحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه في الطريق كما قدمنا ثم خرجا على الوجه الذي تقدم بسطه وتأخر علي بن أبي طالب بعد النبي بأمره ليؤدي ما كان عنده من الودائع ثم لحقهم بقباء فقدم رسول الله يوم الاثنين قريبا من الزوال وقد اشتد الضحاء.

قال الواقدي وغيره: وذلك لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول. وحكاه ابن إسحاق إلا أنه لم يعرج عليه ورجح أنه لثنتي عشرة ليلة خلت منه، وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور. وقد كانت مدة إقامته بمكة بعد البعثة (١) ثلاث عشرة سنة في أصح الأقوال، وهو رواية حماد بن سلمة عن أبي جمرة (٢) الضبعي عن ابن عباس. قال: بعث رسول الله لأربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة. وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن معمر عن روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قال: مكث رسول الله بمكة ثلاث عشرة. وتقدم أن ابن عباس كتب أبيات صرمة بن أبي أنس بن قيس:

ثوى في قريش بضع عشرة حجة … يذكر لو يلقى صديقا مواتيا

وقال الواقدي عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه استشهد بقول صرمة:


(١) يعني هنا من أول الوقت الذي استنبى فيه، عن عروة عن عائشة قالت: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم.
(٢) من الطبري، وفي الأصل: أبي حمزة الضبي.
وأبو جمرة الضبعي، واسمه نصر بن عمران بن عصام الضبعي، البصري نزيل خراسان مشهور بكنيته، ثقة ثبت من الثالثة مات سنة ثمان وعشرين. تقريب التهذيب ٢/ ٧٢/ ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>