للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ويشبه أن يكون قوله: الخندق وهما أو أنه قال له ذلك في بناء المسجد وفي حفر الخندق والله أعلم.

قلت: حمل اللبن في حفر الخندق لا معنى له، والظاهر أنه اشتبه على الناقل والله أعلم. وهذا الحديث من دلائل النبوة حيث أخبر صلوات الله وسلامه عليه عن عمار أنه تقتله الفئة الباغية وقد قتله أهل الشام في وقعة صفين وعمار مع علي وأهل العراق كما سيأتي بيانه وتفصيله في موضعه. وقد كان علي أحق بالامر من معاوية. ولا يلزم من تسمية أصحاب معاوية بغاة تكفيرهم كما يحاوله جهلة الفرقة الضالة من الشيعة وغيرهم لأنهم وإن كانوا بغاة في نفس الامر فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال وليس كل مجتهد مصيبا بل المصيب له أجران والمخطئ له أجر، ومن زاد في هذا الحديث بعد تقتلك الفئة الباغية - لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة - فقد افترى في هذه الزيادة على رسول الله ، فإنه لم يقلها إذ لم تنقل من طريق تقبل والله أعلم. وأما قوله يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، فإن عمارا وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الألفة واجتماع الكلمة. وأهل الشام يريدون أن يستأثروا بالامر دون من هو أحق به، وأن يكون الناس أوزاعا على كل قطر إمام برأسه، وهذا يؤدي إلى افتراق الكلمة واختلاف الأمة فهو لازم مذهبهم وناشئ عن مسلكهم، وإن كانوا لا يقصدونه والله أعلم. وسيأتي تقرير هذه المباحث إذا انتهينا إلى وقعة صفين من كتابنا هذا بحول الله وقوته وحسن تأييده وتوفيقه والمقصود ههنا أنما هو قصة بناء المسجد النبوي على بانيه أفضل الصلاة والتسليم.

وقد قال الحافظ البيهقي في الدلائل (١): حدثنا أبو عبد الله الحافظ املاء، ثنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا عبيد بن شريك، ثنا نعيم بن حماد، ثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا حشرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله . قال: [لما بنى رسول الله المسجد] (٢) جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه. فقال رسول الله : " هؤلاء ولاة الامر بعدي ". ثم رواه من حديث يحيى بن عبد الحميد الحماني عن حشرج عن سعيد عن سفينة. قال: لما بنى رسول الله المسجد وضع حجرا. ثم قال " ليضع أبو بكر حجرا إلى جنب حجري، ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر، ثم ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر " فقال رسول الله : " هؤلاء الخلفاء من بعدي " وهذا الحديث بهذا السياق غريب جدا، والمعروف ما رواه الإمام أحمد عن أبي النضر عن


(١) دلائل النبوة ج ٢/ ٥٥٣.
(٢) سقطت من الأصل واستدركت من الدلائل.

<<  <  ج: ص:  >  >>