للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتد الضحى، وفارق عبد الله بن رواحة زيد بن حارثة من العقيق، فجعل عبد الله بن رواحة ينادي على راحلته، يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة رسول الله وقتل المشركين وأسرهم، قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وقتل زمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمرو. قال عاصم بن عدي: فقمت إليه فنحوته فقلت: أحقا يا ابن رواحة؟ فقال إي والله وغدا يقدم رسول الله بالأسرى مقرنين. ثم تتبع دور الأنصار بالعالية يبشرهم دارا دارا والصبيان ينشدون معه يقولون: قتل أبو جهل الفاسق، حتى إذا انتهى إلى دار بني أمية وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول الله القصواء يبشر أهل المدينة، فلما جاء المصلى صاح على راحلته: قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وقتل أمية بن خلف وأبو جهل وأبو البختري وزمعة بن الأسود، وأسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثير، فجعل بعض الناس لا يصدقون زيدا ويقولون ما جاء زيد بن حارثة إلا فلا (١) حتى غاظ المسلمين ذلك وخافوا. وقد زيد حين سوينا [التراب] على رقية بنت رسول الله بالبقيع، وقال رجل من المنافقين لأسامة: قتل صاحبكم ومن معه؟ وقال آخر لأبي لبابة: قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون فيه أبدا وقد قتل علية أصحابه وقتل محمد وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ماذا يقول من الرعب، وجاء فلا فقال أبو لبابة: يكذب الله قولك. وقالت اليهود: ما جاء زيد إلا فلا. قال أسامة: فجئت حتى خلوت بأبي فقلت أحق ما تقول؟ فقال إي والله حق ما أقول يا بني فقويت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين، لنقدمنك إلى رسول الله إذا قدم فليضربن عنقك، فقال إنما هو شئ سمعته من الناس يقولونه. قال فجئ بالأسرى وعليهم شقران مولى رسول الله وكان قد شهد معهم بدرا وهم تسعة وأربعون رجلا الذين أحصوا. قال الواقدي: وهم سبعون في الأصل مجتمع عليه لا شك فيه. قال ولقي رسول الله إلى الروحاء رؤوس الناس يهنئونه بما فتح الله عليه. فقال له أسيد بن الحضير: يا رسول الله الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوا، ولكن ظننت أنها عير ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت. فقال له رسول الله " صدقت " (٢). قال ابن إسحاق: ثم أقبل رسول الله قافلا إلى المدينة ومعه الأسارى وفيهم عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث وقد جعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار. فقال راجز من المسلمين - قال ابن هشام [يقال إنه] هو عدي بن أبي الزغباء -:

أقم لها صدورها يا بسبس … ليس بذي الطلح لها معرس

ولا بصحراء عمير محبس … إن مطايا القوم لا تحبس


(١) الفل: القوم المنهزمون ويقع على الواحد والاثنين والجمع. عن النهاية.
(٢) الخبر في مغازي الواقدي ١/ ١١٤ - ١١٥ وفي دلائل البيهقي من طريق الحسين بن الفرج عن الواقدي. ج ٣/ ١٣١ - ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>