للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرب لا تدخلها بغيرها. قال: فبينا رسول الله يكتب (١) الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد، قد انفلت إلى رسول الله ، وقد كان أصحاب رسول الله قد خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه وقال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت فجعل ينتره بتلبيبه ويجره يعني يرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني! فزاد ذلك الناس إلى ما بهم. فقال رسول الله " يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين. القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم " قال: فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب. قال: ويدني قائم السيف منه. قال: يقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب أباه. قال فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية. فلما فرغ رسول الله من الكتاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة، ومكرز بن حفص وهو يومئذ مشرك وعلي بن أبي طالب، وكتب، وكان هو كاتب الصحيفة (٢).

وكان رسول الله مضطربا في الحل (٣) وكان يصلي في الحرم، فلما فرغ من الصلح قام إلى هديه فنحره، ثم جلس فحلق رأسه، وكان الذي حلقه في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي، فلما رأى الناس أن رسول الله قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون، فقال رسول الله " يرحم الله المحلقين " قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: " يرحم الله المحلقين " قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: " يرحم الله المحلقين " قالوا والمقصرين يا رسول الله! قال " والمقصرين " قالوا: يا رسول الله فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين؟ قال: لم يشكوا. وقال عبد الله بن أبي نجيح: حدثني مجاهد عن ابن عباس أن


(١) قال في مغازي الواقدي: أن أبا جندل جاء قبل أن يكتب الكتاب. ولما أراد سهيل رده قال رسول الله : إنا لم نقض الكتاب بعد. فقال سهيل: والله لا أكاتبك على شئ حتى ترده إلي. فرده.
(٢) زاد الواقدي: أبو عبيدة بن الجراح، وحويطب بن عبد العزى ولم يذكر عبد الله بن سهيل بن عمرو.
(٣) مضطربا في الحل: أي أن أبنيته مضروبة في الحل، وكانت صلاته في الحرم، وهذا القرب الحديبية من حرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>