للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ * شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ * إِذَا اللُّيُوثُ أقبلت تلهب إِنَّ حِمَايَ لِلْحِمَى لَا يُقْرَبُ (١) قَالَ: فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي كعب * مفرج الغماء جري صلب إذ شبت الحرب وثار الْحَرْبُ * مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ يَطَأْكُمُو حَتَّى يذل الصعب * بكف ماضٍ ليس فيه عيب (٢) قال وجعل مرحب يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِهَذَا: فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا لَهُ يَا رسول الله، أنا والله الموتور والثائر قَتَلُوا أَخِي بِالْأَمْسِ.

فَقَالَ: قُمْ إِلَيْهِ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ.

قَالَ: فَلَمَّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحَبِهِ، دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيَّةٌ (٣) مِنْ شَجَرِ العشر (٤) المسد فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلُوذُ مِنْ صَاحِبِهِ بها، كلما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه حَتَّى بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ، مَا فِيهَا فَنَنٌ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ.

فَاتَّقَاهُ بالدرقة فوقع سيفه فيها، فعضت فاستله وَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتَّى قَتَلَهُ (٥) .

وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِنَحْوِهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاس أَنَّ مُحَمَّدًا ارْتَجَزَ حِينَ ضَرَبَهُ وَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَاضِ * حُلْوٌ إِذَا شِئْتُ وسمُّ قَاضِ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ: عَنْ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ هُوَ الَّذِي قتل مرحباً ثم ذكر الْوَاقِدِيُّ أَنَّ مُحَمَّدًا قَطَعَ رِجْلَيْ مَرْحَبٍ فَقَالَ له أجهز علي.

فقال: لاذق الْمَوْتَ كَمَا ذَاقَهُ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ.

فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ وَقَطَعَ رَأْسُهُ فَاخْتَصَمَا فِي سَلَبِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَيْفَهُ وَرُمْحَهُ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ.

قَالَ وَكَانَ مَكْتُوبًا عَلَى سَيْفِهِ: هَذَا سَيْفُ مَرْحَبْ * مَنْ يَذُقْهُ يَعْطَبْ (٦) ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ أَخَا مَرْحَبٍ وَهُوَ يَاسِرٌ خَرَجَ بعده وهو يقول، هل من مبارز؟


(١) في نسخة لابن هشام زاد شطرا رابعا: يحجم عن صولتي المجرب.
(٢) قبل هذا الشطر في ابن هشام: نعطي الجزاء أو يفئ النهب.
(٣) عمرية: قديمة.
(٤) العشر: شجر أملس له صمغ.
(٥) سيرة ابن هشام ج ٤ / ٣٤٨ ونقله البيهقي عنه في الدلائل ج ٤ / ٢١٥.
(٦) مغازي الواقدي: ٢ / ٦٥٦.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>