للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ والزُّبير بْنَ الْعَوَّامِ فَقَالَ " أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِكِتَابٍ إِلَى قُرَيْشٍ يُحَذِّرُهُمْ مَا قَدْ أَجْمَعْنَا له من أمرهم " فخرجا حتى أدركاها بالحليفة (٦) حليفة بَنِي أَبِي أَحْمَدَ، فَاسْتَنْزَلَاهَا فَالْتَمَسَاهُ فِي رَحْلِهَا، فَلَمْ يَجِدَا فِيهِ شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ: إِنِّي أَحِلِفُ بِاللَّهِ مَا كَذَبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا كُذِبْنَا وَلَتُخْرِجِنَّ لَنَا هَذَا الْكِتَابَ أَوْ لَنَكْشِفَنَّكِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ مِنْهُ، قَالَتْ: أَعْرِضْ، فَأَعْرَضَ، فَحَلَّتْ قُرُونَ رَأْسِهَا، فَاسْتَخْرَجَتِ الْكِتَابَ مِنْهَا، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ، فَأَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبًا فَقَالَ " يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَمُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، مَا غَيَّرْتُ وَلَا بدلت، ولكنني كنت امرءاً لَيْسَ لِي فِي الْقَوْمِ مِنْ أَصْلٍ وَلَا عَشِيرَةٍ، وَكَانَ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلَدٌ وَأَهْلٌ، فَصَانَعْتُهُمْ عَلَيْهِمْ.

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخطَّاب: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ نَافَقَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ لَعَلَّ الله قد اطلع على أَصْحَابِ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لكم " وأنزل الله في حاطب (يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة) (أول سورة الممتحنة) إلى آخر القصة.

هَكَذَا أَوْرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُرْسَلَةً.

وَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي كِتَابِ حاطب: أن رسول الله قَدْ تَوَجَّهَ إِلَيْكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ يَسِيرُ كَالسَّيْلِ وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَوْ سَارَ إِلَيْكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ مُنْجِزٌ لَهُ مَا وَعَدَهُ.

قَالَ وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ سَلَّامٍ أَنَّ حَاطِبًا كَتَبَ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ نَفَرَ فَإِمَّا إِلَيْكُمْ وَإِمَّا إِلَى غَيْرِكُمْ فَعَلَيْكُمُ الْحَذَرَ (١) .

وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: بَعَثَنِي

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ (٢) فَقَالَ " انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ (٣) فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا " فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فقلنا أخرجي الكتاب، فقالت ما معي، فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ.

قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تعجل علي إني كنت امرءاً مُلْصَقًا (٤) فِي قُرَيْشٍ - يَقُولُ كُنْتُ حَلِيفًا - وَلَمْ أكن من أنفسها وكان من


(١) جاء في مغازي الواقدي: كتب حاطب إلى ثلاثة نفر: صفوان بن أميَّة، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل: " أن رسول الله قد أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد بكتابي إليكم ".
ودفع الكتاب إلى امرأة من مزينة من أهل العرج يقال لها كنود.
(٢) اختلفت الروايات فيمن أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ليلحق بالمرأة ليأتي بكتاب ابن أبي بلتعة: ففي رواية: علي والزبير والمقداد، وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي، علي وأبا مرثد الغنوي والزبير.
وفي رواية الواقدي: علي والزبير ووافقه الطبري في تاريخه.
وفي ابن سعد: علي والمقداد.
(٣) روضة خاخ: على بريد من المدينة.
(٤) الملصق: الرجل المقيم في الحي والحليف لهم، وقال السهيلي: كنت عريرا، والعرير: الغريب.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>