للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالُوا: إنَّا لَمْ نَأْتِكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تولَّ أَنْتَ هَدْمَهَا، أَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا لَنْ نَهْدِمَهَا أَبَدًا، فَقَالَ " سَأَبْعَثُ إِلَيْكُمْ مَنْ يَكْفِيكُمْ هَدْمَهَا " فَكَاتَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَأْذَنُوهُ أَنْ يَسْبِقُوا رُسُلَهُ إِلَيْهِمْ، فلمَّا جاؤوا قَوْمَهُمْ تَلَقَّوْهُمْ فَسَأَلُوهُمْ مَا وَرَاءَكُمْ فَأَظْهَرُوا الْحُزْنَ، وأنهم إنما جاؤوا مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ فَظٍّ غَلِيظٍ قَدْ ظَهَرَ بالسيف بحكم مَا يُرِيدُ وَقَدْ دَوَّخَ الْعَرَبَ، قَدْ حرَّم الرِّبَا وَالزِّنَا وَالْخَمْرَ، وَأَمَرَ بِهَدْمِ الرَّبَّةِ، فَنَفَرَتْ ثَقِيفٌ وَقَالُوا لَا نُطِيعُ لِهَذَا أَبَدًا، قَالَ فتأهَّبوا لِلْقِتَالِ وَأَعِدُّوا السِّلاح، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ يَوْمَيْنِ - أَوْ ثَلَاثَةً - ثمَّ أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعب فَرَجَعُوا وَأَنَابُوا وَقَالُوا: ارْجِعُوا إِلَيْهِ فَشَارِطُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَصَالِحُوهُ عَلَيْهِ قَالُوا: فإنَّا قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَوَجَدْنَاهُ أَتْقَى النَّاس وَأَوْفَاهُمْ وَأَرْحَمَهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ، وَقَدْ بُورِكَ لَنَا وَلَكُمْ فِي مَسِيرِنَا إليه وفيما قاضيناه، فافهموا الْقَضِيَّةِ وَاقْبَلُوا عَافِيَةَ اللَّهِ، قَالُوا: فَلِمَ كَتَمْتُمُونَا هَذَا أَوَّلًا؟ قَالُوا أَرَدْنَا أَنْ يَنْزِعَ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِكُمْ نَخْوَةَ الشَّيطان، فَأَسْلَمُوا مَكَانَهُمْ وَمَكَثُوا أَيَّامًا ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِمْ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَقَدْ أمَّر عَلَيْهِمْ

خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَفِيهِمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَعَمَدُوا إِلَى اللَّاتِ، وَقَدِ اسْتَكَفَّتْ ثَقِيفٌ رِجَالُهَا ونساءها وَالصِّبْيَانُ حتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنِ الْحِجَالِ وَلَا يَرَى عَامَّةُ ثَقِيفٍ أَنَّهَا مَهْدُومَةٌ وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَأَخَذَ الْكِرْزِينَ - يَعْنِي الْمِعْوَلَ - وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاللَّهِ لأضحكنَّكم مِنْ ثَقِيفٍ، فَضَرَبَ بِالْكِرْزِينِ ثُمَّ سَقَطَ يَرْكُضُ بِرِجْلِهِ فارتجَّ أَهْلُ الطَّائِفِ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَرِحُوا وَقَالُوا أَبْعَدَ اللَّهُ الْمُغِيرَةَ قَتَلَتْهُ الرَّبَّةُ، وَقَالُوا لِأُولَئِكَ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَقْتَرِبْ، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ إِنَّمَا هِيَ لَكَاعِ حِجَارَةٌ وَمَدَرٌ، فَاقْبَلُوا عَافِيَةَ اللَّهِ وَاعْبُدُوهُ، ثُمَّ إِنَّهُ ضَرَبَ الْبَابَ فَكَسَرَهُ.

ثُمَّ عَلَا سُورَهَا وَعَلَا الرِّجَالُ مَعَهُ، فَمَا زَالُوا يَهْدِمُونَهَا حَجَرًا حَجَرًا حتَّى سَوَّوْهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلَ سَادِنُهَا يَقُولُ: ليغضبنَّ الأساس فليخسفن بهم، فلما سمع الْمُغِيرَةُ قَالَ لِخَالِدٍ: دَعْنِي أَحْفِرْ أَسَاسَهَا فَحَفَرُوهُ حتَّى أَخْرَجُوا تُرَابَهَا وَجَمَعُوا مَاءَهَا وَبِنَاءَهَا، وَبُهِتَتْ عِنْدَ ذَلِكَ ثَقِيفٌ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فقسَّم أَمْوَالَهَا مِنْ يَوْمِهِ وَحَمِدُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى اعْتِزَازِ دِينِهِ وَنُصْرَةِ رَسُولِهِ (١) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبيّ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ عِضَاةَ وَجٍّ (٢) وَصَيْدَهُ لَا يُعْضَدُ مَنْ وَجَدَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فإنَّه يُجْلَدُ وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ، وَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ فإنَّه يُؤْخَذُ فَيُبْلَغُ بِهِ النَّبيّ مُحَمَّدًا وإنَّ هَذَا أَمْرُ النَّبيّ مُحَمَّدٍ، وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِأَمْرِ الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعداه أحد، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ - مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَخْزُومِيٌّ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِنْسَانَ - وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير قال: أقبلنا مع


(١) لفظ موسى بن عقبة وروى الخبر عروة بن الزبير بمعناه، والرواية اختصرها ابن عبد البر في الدرر (٢٤٧) ، ونقلها البيهقي في الدلائل ج ٥ / ٣٠٣.
(٢) عضاه: واحدته عضة، شجر له شوك، ووج أرض الطائف.
وتقدم قريبا نص الكتاب بتمامه، فليراجع.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>