للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ * قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْتُ في قصَّة سخلة جَابِرٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَكْلِ الْأَلْفِ مِنْهَا وَمِنْ قَلِيلِ شَعِيرٍ مَا تقدَّم.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ محمد بن المنذر المعروف بيشكر، فِي كِتَابِهِ الْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ بِسَنَدِهِ، كَمَا سَبَقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم جَمَعَ عِظَامَهَا ثمَّ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَعَادَتْ كما كانت فتركها في منزله وَاللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ شَيْخُنَا: وَمِنْ مُعْجِزَاتِ عِيسَى الْإِبْرَاءُ مِنَ الْجُنُونِ.

وَقَدْ أَبْرَأَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي مِنْ ذَلِكَ - هَذَا آخر ما وجدته فيما حَكَيْنَاهُ عَنْهُ.

فأمَّا إِبْرَاءُ عِيسَى مِنَ الْجُنُونِ.

فَمَا أَعْرِفُ فِيهِ نَقْلًا خَاصًّا، وإنَّما كَانَ يُبَرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ والظَّاهر وَمِنْ جَمِيعِ الْعَاهَاتِ وَالْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ * وأمَّا إِبْرَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنَ الْجُنُونِ، فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ بِهِ لَمَمٌ مَا رَأَيْتُ لَمَمًا أَشَدَّ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنِي هَذَا كَمَا تَرَى أَصَابَهُ بَلَاءٌ، وَأَصَابَنَا مِنْهُ بلاء، يوجد منه في اليوم ما يؤذي، ثمَّ قالت: مَرَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: ناولينيه، فجعلته بينه وبين واسطة الرَّحل، ثمَّ فغرفاه وَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثًا وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ، ثمَّ نَاوَلَهَا إيَّاه فذكرت أنَّه برئ من ساعته وما رابهم شئ بَعْدَ ذَلِكَ * وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حماد بن سلامة، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عبَّاس أنَّ امرأة جاءت بولدها إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بِهِ لَمَمًا، وإنَّه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا، قَالَ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم صدره ودعا له فسغ (١) سغة فخرج منه مثل الجور الأسود فشفي * غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفَرْقَدٌ فِيهِ كَلَامٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ زُهَّادِ الْبَصْرَةِ، لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ وَإِنْ كَانَتِ القصَّة وَاحِدَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ * وَرَوَى البزَّار مِنْ طَرِيقِ فَرْقَدٍ أيضاً عن سعد بن عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا الْخَبِيثَ قَدْ غلبني، فقال لها: تصبَّري على ما أنت عليه وتجيئي يوم القيامة ليس عليك ذنوب ولا حساب؟ فقالت، والذي بعثك بالحق لا صبرن حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ، ثمَّ قَالَتْ، إنِّي أَخَافُ الْخَبِيثَ أَنْ يُجَرِّدَنِي، فَدَعَا لَهَا، وَكَانَتْ إِذَا أحست أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بِهَا وَتَقُولُ لَهُ: اخْسَأْ، فَيَذْهَبُ عَنْهَا * وَهَذَا دليل على أنَّ فرقد قَدْ حَفِظَ، فإنَّ هَذَا لَهُ شَاهَدٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنَّة؟

قلت: بَلَى، قَالَ، هَذِهِ السَّوداء أَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وأنكشف فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجنَّة، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يعافيك، قالت: لا بل أصبر، فادعُ الله أن لا أنكشف، قَالَ: فَدَعَا لَهَا فَكَانَتْ لَا تَنْكَشِفُ * ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حدَّثنا محمَّد، حدَّثنا مَخْلَدٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أنَّه رَأَى أم زفر - امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ - عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ (٢) * وَذَكَرَ الحافظ ابن الأثير في كتاب أُسُد الغابة في أسماء


(١) في رواية البيهقيّ: فثع ثعة، والخبر في مسند أحمد ٥ / ٤٣٠.
(٢) أخرجه البخاري في المرض، باب (٦) فتح الباري ١٠ / ١١٤، ومسلم في البر والصلة، باب (١٤) ح (٥٤) ص (١٩٩٤) والامام أحمد في مسنده ١ / ٣٤٧ ورواه البيهقي في الدلائل ٦ / ١٥٦.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>