للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتمكَّن الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ: ثمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ يزكُّون، فَامْتَنَعَ الصِّديق مِنْ ذَلِكَ وَأَبَاهُ * وَقَدْ رَوَى الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ سِوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: عَلَامَ تُقَاتِلُ النَّاس؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: أُمرت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاس حتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا منِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي

عِنَاقًا، وَفِي رِوَايَةٍ: عِقَالًا كَانُوا يؤدُّونه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لأقاتلنَّهم عَلَى مَنْعِهَا، إنَّ الزَّكاة حقَّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بَيْنَ الصَّلاة والزَّكاة، قَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أنَّه الْحَقُّ (١) * قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) * [التوبة: ٥] وثبت في الصَّحِيحَيْنِ: بُنِي الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وحجُّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ * وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ من طريقين عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ: ثَنَا عِيسَى بْنُ يَزِيدَ الْمَدِينِيُّ، حدَّثني صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، قَالَ: لَمَّا كَانَتِ الرِّدَّة قَامَ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّاس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَى فَكَفَى، وَأَعْطَى فَأَغْنَى، إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله، وَالْعِلْمُ شَرِيدٌ وَالْإِسْلَامُ غَرِيبٌ طَرِيدٌ، قَدْ رثَّ حَبْلُهُ، وَخَلُقَ عَهْدُهُ، وضلَّ أَهْلُهُ مِنْهُ، وَمَقَتَ اللَّهُ أَهْلَ الْكِتَابِ فَلَا يُعْطِيهِمْ خَيْرًا لِخَيْرٍ عِنْدَهُمْ، وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ شَرًّا لشرِّ عِنْدَهُمْ، قَدْ غيَّروا كِتَابَهُمْ، وَأَلْحَقُوا فِيهِ مَا لَيْسَ منه، والعرب الآمنون يحسبون أنَّهم في منعة مِنَ اللَّهِ لَا يَعْبُدُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ، فَأَجْهَدَهُمْ عيشاً، وأضلَّهم دنيا، فِي ظَلَفٍ مِنَ الْأَرْضِ مَعَ مَا فِيهِ من السَّحاب فختمهم اللَّهُ بمحمَّد، وَجَعَلَهُمُ الأمَّة الْوُسْطَى، نَصَرَهُمْ بِمَنِ اتَّبعهم، وَنَصَرَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ نبيه صلى الله عليه وآله فَرَكِبَ مِنْهُمُ الشَّيطان مَرْكَبَهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمْ، وَبَغَى هَلَكَتَهُمْ * (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً ويسجزى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) * [آل عمران: ١٤٤] إنَّ مَنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْعَرَبِ مَنَعُوا شَاتَهُمْ وَبَعِيرَهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا فِي دِينِهِمْ - وَإِنْ رَجَعُوا إِلَيْهِ - أَزْهَدَ مِنْهُمْ يَوْمَهُمْ هَذَا، وَلَمْ تَكُونُوا فِي دِينِكُمْ أَقْوَى مِنْكُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا، عَلَى مَا قَدْ تقدَّم من بركة نبيكم صلى الله عليه وآله، وَقَدْ وكَّلكم إِلَى الْمَوْلَى الْكَافِي، الَّذِي وَجَدَهُ ضَالًّا فَهَدَاهُ، وَعَائِلًا فَأَغْنَاهُ * (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ منها) * الآية [آل عمران: ١٠٣] ، وَاللَّهِ لَا أَدْعُ أَنْ أُقَاتِلَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يُنْجِزَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَيُوفِيَ لَنَا عَهْدَهُ، وَيُقْتَلَ مَنْ قُتِلَ منَّا شهيداً من أهل الجنة، وبقى من بقي منها خليفته وذريته فِي أَرْضِهِ، قَضَاءُ اللَّهِ الْحَقُّ، وَقَوْلُهُ الَّذِي لَا خُلْفَ لَهُ

* (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) * الآية (النور: ٥٥] ، ثمَّ نزل * وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: * (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عن دينه


(١) أخرجه أحمد في مسنده ١ / ١١، ١٩، ٣٥ - ٢ / ٣٧٧ - ٤ / ٨ ومسلم في الايمان ح (٨٢ و ٨٣) ص (١ / ٥٢) والبخاري ح (١٥٦١) قال في الكنز: أخرجه الاربعة إلا ابن ماجه وابن حبان والبيهقي.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>