للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى تِسْعِينَ أَلْفًا (١) ، وَفِي رِوَايَةٍ مِائَتَيْ أَلْفِ درهم، فكانت أول حزية أُخِذَتْ مِنَ الْعِرَاقِ وَحُمِلَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ هِيَ وَالْقُرَيَّاتُ قَبْلَهَا الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا ابْنُ صَلُوبَا.

قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ مَعَ نَائِبِ كِسْرَى عَلَى الحيرة ممَّن وفد إلى خالد عمرو بن عبد المسيح بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ (٢) ، وَكَانَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: مِنْ أَيْنَ أَثَرُكَ؟ قَالَ: مِنْ ظَهْرِ أَبِي، قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ خَرَجْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَطْنِ أُمِّي، قَالَ: وَيَحَكَ على أي شئ أنت؟ قال: علي الأرض، قال: ويحك وفي أي شئ أَنْتَ؟ قَالَ: فِي ثِيَابِي، قَالَ: وَيَحَكَ تَعْقِلُ؟ قَالَ، نَعَمْ وَأُقَيِّدُ، قَالَ: إنَّما أَسْأَلُكَ، قَالَ: وَأَنَا أُجِيبُكَ، قَالَ: أَسِلْمٌ أَنْتَ أَمْ حَرْبٌ، قَالَ: بَلْ سِلْمٌ، قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْحُصُونُ الَّتِي أَرَى؟ قَالَ: بَنَيْنَاهَا للسَّفيه نَحْبِسُهُ حَتَّى يجئ الْحَلِيمُ فَيَنْهَاهُ، ثمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوِ الْجِزْيَةِ أَوِ الْقِتَالِ، فَأَجَابُوا إِلَى الْجِزْيَةِ بِتِسْعِينَ أَوْ مِائَتَيْ أَلْفٍ كَمَا تقدَّم * ثمَّ بَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ كِتَابًا إِلَى أُمَرَاءِ كِسْرَى بِالْمَدَائِنِ وَمَرَازِبَتِهِ وَوُزَرَائِهِ، كَمَا قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ عَنْ مَجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَقْرَأَنِي بَنُو بُقَيْلَةَ كِتَابَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الْمَدَائِنِ: مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَرَازِبَةِ أَهْلِ فَارِسَ، سَلَامٌ

عَلَى مَنِ اتَّبع الْهُدَى، أمَّا بَعْدُ فَالْحَمْدُ لله الذي فضَّ خدمكم وسلب ملككم ووهن كيدكم، وإنَّ مَنْ صلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فذلكم المسلم الذي له مالنا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، أمَّا بَعْدُ فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي فَابْعَثُوا إليَّ بالرَّهن وَاعْتَقِدُوا منِّي الذِّمة، وَإِلَّا فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لأبعثنَّ إِلَيْكُمْ قَوْمًا يحبُّون الْمَوْتَ كَمَا تحبُّون أَنْتُمُ الْحَيَاةَ.

فلمَّا قرأوا الكتباب أَخَذُوا يتعجَّبون.

وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ طليحة الأعلم عن المغيرة بن عيينة (٣) - وَكَانَ قَاضِي أَهْلِ الْكُوفَةِ - قَالَ: فرَّق خَالِدٌ مَخْرَجَهُ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى الْعِرَاقِ جُنْدَهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ، فسرَّح الْمُثَنَّى قَبْلَهُ بِيَوْمَيْنِ وَدَلِيلُهُ ظَفَرٌ، وسرَّح عَدِيَّ بن حاتم وعصام بْنَ عَمْرٍو، وَدَلِيلَاهُمَا مَالِكُ بْنُ عبَّاد وَسَالِمُ بْنُ نَصْرٍ، أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِيَوْمٍ، وَخَرَجَ خَالِدٌ - يَعْنِي فِي آخِرِهِمْ - وَدَلِيلُهُ رَافِعٌ فَوَاعَدَهُمْ جَمِيعًا الْحَفِيرَ لِيَجْتَمِعُوا بِهِ، وَيُصَادِمُوا عدوَّهم، وَكَانَ فرج الهند أعظم فروج فارس بأساً (٤) وأشدَّها شَوْكَةً، وَكَانَ صَاحِبُهُ يُحَارِبُ الْعَرَبَ فِي البرِّ وَالْهِنْدَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ هُرْمُزُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدٌ فَبَعَثَ هُرْمُزُ بِكِتَابِ خَالِدٍ إِلَى شِيرَى بْنِ كِسْرَى، وَأَرْدَشِيرَ بْنِ شِيرَى، وَجَمَعَ هُرْمُزُ، وَهُوَ نَائِبُ كِسْرَى جُمُوعًا كَثِيرَةً وَسَارَ بِهِمْ إِلَى كَاظِمَةَ، وَعَلَى مُجَنِّبَتَيْهِ قُبَاذُ وَأَنُوشَجَانُ - وهما من بيت الملك - وقد تفرَّق الْجَيْشُ فِي السَّلاسل لِئَلَّا يفرُّوا، وَكَانَ هُرْمُزُ هَذَا مِنْ أَخْبَثِ النَّاس طويَّة وأشدَّهم كُفْرًا، وَكَانَ شَرِيفًا فِي الْفُرْسِ وَكَانَ الرَّجل كلَّما ازْدَادَ شَرَفًا زَادَ فِي حِلْيَتِهِ، فَكَانَتْ قَلَنْسُوَةُ هرمز بمائة ألف، وقدم خالد بمن مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا فنزل تجاههم على غير ماء فشكى أصحابه ذلك، فقال:


(١) في الطبري على مائة ألف وتسعين ألفا.
(١٩٠) .
(٢) في الطبري: عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة.
(٣) في الطبري: طلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة.
(٤) في الطبري: شأنا.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>