للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصول المدد إليهم من ذي الكلاع، الذي قد أرصده أبو عبيدة بين دمشق وبين حمص - عن دمشق ليلة - فلما أيقن أهل دمشق أنه لا يصل إليهم مدد أبلسوا وفشلوا وضعفوا، وقوي المسلمون واشتد حصارهم، وجاء فصل الشتاء واشتد البرد وعسر الحال وعسر القتال، فقدر الله الكبير المتعال، ذو العزة والجلال، أن ولد لبطريق دمشق مولود في تلك الليالي فصنع لهم طعاما وسقاهم بعده شرابا. وباتوا عنده في وليمته قد أكلوا وشربوا وتعبوا فناموا عن مواقفهم، واشتغلوا عن أماكنهم، وفطن لذلك أمير الحرب خالد بن الوليد فإنه كان لا ينام ولا يترك أحدا ينام، بل مراصد لهم ليلا ونهارا، وله عيون وقصاد يرفعون إليه أحوال المقاتلة صباحا ومساء. فلما رأى حمدة تلك الليلة، وأنه لا يقاتل على السور أحد كان قد أعد سلاليم من حبال فجاء هو وأصحابه من الصناديد الابطال، مثل القعقاع بن عمرو ومذعور بن عدي، وقد أحضر جيشه عند الباب وقال لهم: إذا سمعتم تكبيرنا فوق السور فأرقوا إلينا. ثم نهد هو وأصحابه فقطعوا الخندق سباحة بقرب في أعناقهم، فنصبوا تلك السلالم وأثبتوا أعاليها بالشرفات، وأكدوا أسافلها خارج الخندق، وصعدوا فيها، فلما استووا على السور رفعوا أصواتهم بالتكبير، وجاء المسلمون فصعدوا في تلك السلالم وانحدر خالد وأصحابه الشجعان من السور إلى البوابين فقتلوهم، وقطع خالد وأصحابه أغاليق الباب بالسيوف وفتحوا الباب عنوة، فدخل الجيش الخالدي من الباب الشرقي. ولما سمع أهل البلد التكبير ثاروا وذهب كل فريق إلى أماكنهم من السور، لا يدرون ما الخبر، فجعل كلما قدم أحد من أصحاب الباب الشرقي قتله أصحاب خالد، ودخل خالد البلد عنوة فقتل من وجده. وذهب أهل كل باب فسألوا من أميرهم الذي عند الباب من خارج الصلح - وقد كان المسلمون دعوهم إلى المشاطرة فيأبون عليهم - فلما دعوهم إلى ذلك أجابوهم. ولم يعلم بقية الصحابة ما صنع خالد. ودخل المسلمون من كل جانب وباب (١) فوجدوا خالدا وهو يقتل من وجده فقالوا له: إنا قد أمناهم، فقال: إني فتحتها عنوة. والتقت الامراء في وسط البلد عند كنيسة المقسلاط (٢) بالقرب من درب الريحان اليوم. هكذا ذكره سيف بن عمر وغيره وهو المشهور أن خالدا فتح الباب قسرا.

وقال آخرون: بل الذي فتحها عنوة أبو عبيدة وقيل يزيد بن أبي سفيان، وخالد صالح أهل البلد فعكسوا المشهور المعروف (٣). والله أعلم.


(١) وفي فتوح البلدان ١/ ١٤٥ ان أبا عبيدة عانى من فتح باب الجابية واقتتل المسلمون مع الروم قتالا شديدا حتى فتح الباب عنوة ودخلوا منه. أما ابن الأعثم في الفتوح فقال: انه لما اشتد الحصار على أهل دمشق سألوه أبا عبيدة الصلح فأجابهم إلى ذلك ووقع صلحهم وفتحت أبواب دمشق فدخلها المسلمون ١/ ١٦١.
(٢) وهو موضع النحاسين بدمشق وهو البريص، وفي ابن الأعثم واليعقوبي: التقيا في كنيسة مريم.
(٣) هذا ما ذهب إليه البلاذري في فتوح البلدان وفيه نص كتاب خالد لأهل دمشق بالصلح وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها: أعطاهم أمانا على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم ولا يسكن شئ من دورهم. لهم بذلك عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله والخلفاء والمؤمنين لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية.

<<  <  ج: ص:  >  >>