للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف الصحابة فقال قائلون هي صلح - يعني على ما صالحهم الأمير في نفس الامر وهو أبو عبيدة -. وقال آخرون: بل هي عنوة، لان خالدا افتتحها بالسيف أولا كما ذكرنا، فلما أحسوا بذلك ذهبوا إلى بقية الامراء ومعهم أبو عبيدة فصالحوهم، فاتفقوا فيما بينهم على أن جعلوا نصفها صلحا ونصفها عنوة، فملك أهلها نصف ما كان بأيديهم وأقروا عليه، واستقرت يد الصحابة على النصف (١). ويقوي هذا ما ذكره سيف بن عمر من أن الصحابة كانوا يطلبون إليهم أن يصالحوهم على المشاطرة فيأبون، فلما أحسوا باليأس أنابوا إلى ما كانت الصحابة دعوهم إليه فبادروا إلى إجابتهم. ولم تعلم الصحابة بما كان من خالد إليهم. والله أعلم.

ولهذا أخذ الصحابة نصف الكنيسة العظمى التي كانت بدمشق وتعرف " بكنيسة يوحنا " فاتخذوا الجانب الشرقي منها مسجدا، وأبقوا لهم نصفها الغربي كنيسة، وقد أبقوا لهم مع ذلك أربع عشرة كنيسة أخرى مع نصف الكنيسة المعروفة " بيوحنا "، وهي جامع دمشق اليوم. وقد كتب لهم بذلك خالد بن الوليد كتابا، وكتب فيه شهادته أبو عبيدة وعمرو بن العاص ويزيد وشرحبيل: إحداها كنيسة المقسلاط التي اجتمع عندها أمراء الصحابة، وكانت مبنية على ظهر السوق الكبير، وهذه القناطر المشاهدة في سوق الصابونيين من بقية القناطر التي كانت تحتها، ثم بادت فيما بعد وأخذت حجارتها في العمارات. الثانية: كنيسة كانت في رأس درب القرشيين وكانت صغيرة، قال الحافظ ابن عساكر: وبعضها باق إلى يوم وقد تشعثت. الثالثة: كانت بدار البطيخ العتيقة. قلت: وهي داخل البلد بقرب الكوشك، وأظنها هي المسجد الذي قبل هذا المكان المذكور، فإنها خربت من دهر. والله أعلم. الرابعة: كانت بدرب بني نصر بين درب الحبالين ودرب التميمي. قال الحافظ ابن عساكر: وقد أدركت بعض بنيانها، وقد خرب أكثرها. الخامسة: كنيسة بولص، قال ابن عساكر: وكانت غربي القيسارية الفخرية وقد أدركت من بنيانها بعض أساس الحنية. السادسة: كانت في موضع دار الوكالة وتعرف اليوم بكنيسة القلانسيين. قلت: والقلانسيين هي الحواحين اليوم. السابعة: التي بدرب السقيل اليوم وتعرف بكنيسة حميد بن درة سابقا، لان هذا الدرب كان أقطاعا له وهو حميد بن عمرو بن مساحق القرشي العامري، ودرة أمه، وهي درة ابنة هاشم بن عتبة بن ربيعة، فأبوها خال معاوية. وكان قد أقطع هذا الدرب فنسبت هذه الكنيسة إليه، وكان مسلما، ولم يبق لهم اليوم سواها، وقد


(١) قال محمد بن سعد: قال الواقدي: قرأت كتاب خالد بن الوليد لأهل دمشق فلم أر فيه أنصاف المنازل والكنائس، وقد روي ذلك ولا أدري من أين جاء به من رواه ويروي الواقدي في فتوح الشام أن خالد فتح دمشق عنوة وقد دار بينه وبين أبي عبيدة محاجة عنيفة نزل خالد بعدها على رأي أبي عبيدة (فتوح الشام ١/ ٧٢ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>