للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوليد ثقيل لما به.

فطوى عمر ثَلَاثًا فِي لَيْلَةٍ فَأَدْرَكَهُ حِينَ قَضَى، فَرَقَّ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَ وَجَلَسَ بِبَابِهِ حَتَّى جُهِّزَ، وَبَكَتْهُ الْبَوَاكِي، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَلَا تَسْمَعُ أَلَا تَنْهَاهُنَّ؟ فَقَالَ: وَمَا عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَنْ يَبْكِينَ أَبَا سُلَيْمَانَ؟ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ وَلَا لَقْلَقَةٌ.

فَلَمَّا خَرَجَ لِجِنَازَتِهِ رَأَى عُمَرَ امْرَأَةً محرمة تَبْكِيهِ وَتَقُولُ: أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ النَّا * سِ إِذَا مَا كَبَتْ وُجُوهُ الرجال أشجاع فأنت أَشْجَعُ مِن ليثِ * ضمر بن جَهْمٍ أَبِي أَشْبَالِ أَجَوَادٌ فَأَنْتَ أَجْوَدُ مِنْ سيل * دِيَاسٍ يَسِيلُ بَيْنَ الْجِبَالِ فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هذه؟ فقيل له: أمه.

فقال: أمه وإلا له ثلاثاً.

وهل قَامَتِ النِّسَاءُ عَنْ مِثْلِ خَالِدٍ.

قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ يَتَمَثَّلُ فِي طَيِّهِ تِلْكَ الثَّلَاثَ فِي لَيْلَةٍ وَفِي قُدُومِهِ: تُبَكِّي مَا وَصَلْتَ بِهِ النَّدَامَى * وَلَا تَبْكِي فَوَارِسَ كَالْجِبَالِ أُولَئِكَ إِنْ بكيت أشد فقدا * من الا ذهاب وَالْعَكَرِ الْجَلَالِ (١) تَمَنَّى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ مَدَاهُمْ * فَلَمْ يَدْنُوا لَأَسْبَابِ الْكَمَالِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عُمَرَ قال لأم خالد: أخالداً أو أجره ترزئين؟ عزمت عليك أن لا تبيني حَتَّى تَسْوَدَّ يَدَاكِ مِنَ الْخِضَابِ.

وَهَذَا كُلُّهُ منا يَقْتَضِي مَوْتَهُ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دُحَيْمٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنِ الْجُمْهُورِ وَهُمُ الْوَاقِدِيُّ، وَكَاتِبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير، وأبو عبد الله الْعُصْفُرِيُّ، وَمُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ، أَنَّهُ مَاتَ بِحِمْصَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.

زَادَ

الْوَاقِدِيُّ: وَأَوْصَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ وَغَيْرِهِ قَالُوا: قَدِمَ خَالِدٌ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَا عَزَلَهُ عُمَرُ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّامِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.

وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ: أَنَّ عُمَرَ رَأَى حُجَّاجًا يُصَلُّونَ بِمَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ نَزَلْتُمْ بِالشَّامِ؟ قَالُوا: بِحِمْصَ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ معرفة خَبَرٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ.

قَالَ: فَاسْتَرْجَعَ عُمَرُ وَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ سَدَّادًا لِنُحُورِ الْعَدُوِّ، مَيْمُونَ النَّقِيبَةِ.

فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: فَلِمَ عَزَلْتَهُ؟ قَالَ: لِبَذْلِهِ الْمَالَ لِذَوِي الشَّرَفِ وَاللِّسَانِ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَلِيٍّ: نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنِّي.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أبي خالد، سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ يَقُولُ: لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ عُمَرُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا سُلَيْمَانَ، لَقَدْ كُنَّا نَظُنُّ بِهِ أُمُورًا مَا كَانَتْ.

وَقَالَ جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ خَالِدٌ لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلا فرسه وغلامه وسلاحه، وقال القاضي المعافا ابن زكريا الحريري: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ


(١) العكر: من الإبل ما بين الخمسين إلى المائة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>