للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له: لَا حَاجَةَ لِي فِي مُبَارَزَتِكَ، فَقَالَ: بَلَى، فَقَالَ: لَا! فَرَجَعَ عَنْهُ عَلِيٌّ وَتَحَاجَزَ النَّاسُ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ - وَهُوَ يَوْمُ الْأَحَدِ - فِي الْعِرَاقِيِّينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَفِي الشَّامِيِّينَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، واقتتل النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَجَعَلَ الْوَلِيدُ يَنَالُ مِنَ ابْنِ عبَّاس، فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو مِخْنَفٍ وَيَقُولُ: قَتَلْتُمْ خَلِيفَتَكُمْ وَلَمْ تَنَالُوا مَا طَلَبْتُمْ، وَوَاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ نَاصِرُنَا عَلَيْكُمْ.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ

عَبَّاسٍ: فَابْرُزْ إِلَيَّ فَأَبَى عَلَيْهِ وَيُقَالُ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَاتَلَ يَوْمَئِذٍ قِتَالًا شَدِيدًا بِنَفْسِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ السادس - وهو يوم الاثنين - وعلى الناس من جهة العراقيين قيس بن سعد، وَمِنْ جِهَةِ أَهْلِ الشَّام ابْنُ ذِي الْكَلَاعِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا أَيْضًا وَتَصَابَرُوا ثُمَّ تَرَاجَعُوا، ثُمَّ خَرَجَ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ - وهو يوم الثلاثاء وخرج تليه قرنه حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا أَيْضًا وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدٌ أَحَدًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا.

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَعْيَنَ الْجُهَنِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: حَتَّى مَتَى لَا نُنَاهِضُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِأَجْمَعِنَا؟ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ عَشِيَّةَ الْأَرْبِعَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُبْرَمُ مَا نَقَضَ وَمَا أَبْرَمَ لَمْ يَنْقُضْهُ النَّاقِضُونَ، لَوْ شَاءَ مَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ من خلقه، ولا تنازعت الأمة في شئ مِنْ أَمْرِهِ، وَلَا جَحَدَ الْمَفْضُولُ ذَا الْفَضْلِ فضله، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار وألقت بَيْنَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَنَحْنُ مِنْ رَبِّنَا بِمَرْأَى وَمَسْمَعٍ فَلَوْ شَاءَ لَعَجَّلَ النِّقْمَةَ وَكَانَ منه التعسير (١) حَتَّى يُكَذِّبَ اللَّهُ الظَّالِمَ، وَيُعْلَمَ الْحَقُّ أَيْنَ مَصِيرُهُ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ الْأَعْمَالِ، وَجَعَلَ الْآخِرَةَ عِنْدَهُ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أسأوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) * [النجم: ٣١] أَلَا وَإِنَّكُمْ لَاقُوا الْقَوْمِ غَدًا فَأَطِيلُوا اللَّيْلَةَ القيام، وأكثروا تلاوة القرن، وأسالوا الله النصر والصبر والقوة بِالْجِدِّ وَالْحَزْمِ وَكُونُوا صَادِقِينَ.

قَالَ: فَوَثَبَ النَّاسُ إِلَى سُيُوفِهِمْ وَرِمَاحِهِمْ وَنِبَالِهِمْ يُصْلِحُونَهَا قَالَ: وَمَرَّ بالناس وهم كذلك كعب ابن جعيل التغلبي فرأى ما يصفون فَجَعَلَ يَقُولُ: أَصْبَحَتِ الْأَمَّةُ فِي أَمْرِ عَجَبْ * وَالْمُلْكُ مَجْمُوعٌ غَدًا لِمَنْ غَلَبْ فَقُلْتُ قَوْلًا غَيْرَ كَذِبْ * إِنَّ غَدًا تَهْلِكُ أَعْلَامُ الْعَرَبْ قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحَ عَلِيٌّ فِي جُنُودِهِ قَدْ عَبَّأَهُمْ كَمَا أَرَادَ، وَرَكِبَ مُعَاوِيَةُ فِي جَيْشِهِ قَدْ عَبَّأَهُمْ كَمَا أَرَادَ، وَقَدْ أَمَرَ عَلِيٌّ كل قبية مَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ تَكْفِيَهُ أُخْتَهَا مَنْ أهل الشَّام فتقاتل الناس قِتَالًا عَظِيمًا لَا يَفِرُّ أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ وَلَا يَغْلِبُ أَحَدٌ أَحَدًا، ثُمَّ تَحَاجَزُوا عِنْدَ الْعَشِيِّ، وَأَصْبَحَ عَلِيٌّ فَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ وَبَاكَرَ الْقِتَالَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ أَهْلَ الشَّامِ فَاسْتَقْبَلُوهُ بِوُجُوهِهِمْ فَقَالَ عَلِيٌّ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو مِخْنَفٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَحْفُوظِ الْمَكْفُوفِ الَّذِي جَعَلْتَهُ

سقفاً (٢) لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَجَعَلْتَ فِيهِ مَجْرَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ومنازل النجوم، وجعلت فيه سبطا من


(١) في الطبري والكامل: التغيير.
(٢) في الطبري ٦ / ٨: مغيضا.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>