للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أربعمائة فارس من أهل الشام ومنهم عبد الله بن عمر (١)، فتوافوا بدومة الجندل بأذرح - وهي نصف المسافة بين الكوفة والشام، بينها وبين كل من البلدين تسع مراحل - وشهد معهم جماعة من رؤوس الناس، كعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والمغيرة بن شعبة، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي. وعبد الرحمن بن عبد يغوث الزهري وأبي جهم بن حذيفة. وزعم بعض الناس أن سعد بن أبي وقاص شهدهم أيضا (٢)، وأنكر حضوره آخرون. وقد ذكر ابن جرير أن عمر بن سعد خرج إلى أبيه وهو على ماء لبني سليم بالبادية معتزل: فقال يا أبة: قد بلغك ما كان من الناس بصفين، وقد حكم الناس أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وقد شهدهم نفر من قريش، فاشهدهم فإنك صاحب رسول الله وأحد أصحاب الشورى ولم تدخل في شئ كرهته هذه الأمة فاحضر إنك أحق الناس بالخلافة. فقال: لا أفعل! إني سمعت رسول الله يقول: " إنه ستكون فتنة خير الناس فيها الخفي البقي " والله لا أشهد شيئا من هذا الامر أبدا. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد، ثنا بكر بن سمار، عن عامر بن سعد أن أخاه عمر انطلق إلى سعد في غنم له خارجا من المدينة فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فلما أتاه قال: يا أبة أرضيت أن تكون أعرابيا في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة؟ فضرب سعد صدر عمر وقال: اسكت فإني سمعت رسول الله يقول: " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي " (٣) وهكذا رواه مسلم في صحيحه. وقال أحمد أيضا: حدثنا عبد الملك بن عمرو، ثنا كثير بن زيد الأسلمي، عن المطلب، عن عمر بن سعد عن أبيه أنه جاءه ابنه عامر فقال: يا أبة: الناس يقاتلون على الدنيا وأنت ههنا؟ فقال: يا بني أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا؟ لا والله حتى أعطي سيفا إن ضربت به مؤمنا نبا عنه وإن ضربت به كافرا قتلته، سمعت رسول الله يقول: " إن الله يحب الغني الخفي التقي " (٤) وهذا السياق كان عكس الأول، والظاهر أن عمر بن سعد استعان بأخيه عامر على أبيه ليشير عليه أن يحضر أمر التحكيم لعلهم يعدلون عن معاوية وعلي ويولونه فامتنع سعد من ذلك وأباه أشد الاباء وقنع بما هو فيه من الكفاية والخفاء كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله قال: قد " أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " وكان عمر بن سعد هذا يحب الامارة، فلم يزل ذلك دأبه حتى كان هو أمير السرية التي قتلت الحسين بن علي كما سيأتي بيانه في موضعه، ولو قنع بما كان أبوه عليه لم يكن شئ من ذلك. والمقصود أن سعدا لم يحضر أمر التحكيم ولا أراد ذلك ولا هم به، وإنما حضره من ذكرنا. فلما اجتمع الحكمان تراوضا على المصلحة للمسلمين،


(١) قال في مروج الذهب ٢/ ٤٣٨ وفتوح ابن الأعثم ٤/ ٢٢ ومعه شرحبيل بن السمط.
(٢) وهو قول المسعودي ٢/ ٤٣٩ الاخبار الطوال ص ١٩٨، أما الطبري فأنكر حضوره ٦/ ٣٨ ووافقه ابن الأثير في الكامل ٣/ ٣٣٠.
(٣) مسند الإمام أحمد ج ١/ ١٦٨.
(٤) مسند الإمام أحمد ج ١/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>