للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظرا في تقدير أمور ثم اتفقا على أن يعزلا عليا ومعاوية ثم يجعلا الامر شورى بين الناس ليتفقوا على الأصلح لهم منهما أو من غيرهما، وقد أشار أبو موسى بتولية عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال له عمرو: فول ابن عبد الله فإنه يقاربه في العالم والعمل والزهد. فقال له أبو موسى: إنك قد غمست ابنك في الفتن معك، وهو مع ذلك رجل صدق.

قال أبو مخنف: فحدثني محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال عمرو بن العاص: إن هذا الامر لا يصلحه إلا رجل له ضرس يأكل ويطعم. وكان ابن عمر فيه غفلة، فقال له ابن الزبير: افطن وانتبه، فقال ابن عمر: لا والله لا أرشو عليها شيئا أبدا، ثم قال: يا بن العاص إن العرب قد أسندت إليك أمرها بعدما تقارعت بالسيوف وتشاركت بالرماح، فلا تردنهم في فتنة مثلها أو أشد منها ثم إن عمرو بن العاص حاول أبا موسى على أن يقر معاوية وحده على الناس فأبى عليه، ثم حاوله ليكون ابنه عبد الله بن عمرو هو الخليفة، فأبى أيضا، وطلب أبو موسى من عمرو أن يوليا عبد الله بن عمر فامتنع عمرو أيضا، ثم اصطلحا على أن يخلعا معاوية وعليا ويتركا الامر شورى بين الناس ليتفقوا على من يختاروه لأنفسهم، ثم جاءا إلى المجمع الذي فيه الناس - وكان عمرو لا يتقدم بين يدي أبي موسى بل يقدمه في كل الأمور أدبا وإجلالا - فقال له: يا أبا موسى قم فأعلم الناس بما اتفقنا عليه، فخطب أبو موسى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على رسول الله ثم قال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أمرا أصلح لها ولا ألم لشعثها من رأي اتفقت أنا وعمرو عليه، وهو أنا نخلع عليا ومعاوية ونترك الامر شورى، وتستقبل الأمة هذا الامر فيولوا عليهم من أحبوه، وإني قد خلعت عليا ومعاوية. ثم تنحى وجاء عمرو فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وإنه قد خلع صاحبه، وإني قد خلعته كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان بن عفان، والطالب بدمه، وهو أحق الناس بمقامه - وكان عمرو بن العاص رأى أن ترك الناس بلا إمام والحالة هذه يؤدي إلى مفسدة طويلة عريضة أربى مما الناس فيه من الاختلاف، فأقر معاوية لما رأى ذلك من المصلحة، والاجتهاد يخطئ ويصيب. ويقال إن أبا موسى تكلم معه بكلام فيه غلظة ورد عليه عمرو بن العاص مثله.

وذكر ابن جرير أن شريح بن هانئ - مقدم جيش علي - وثب على عمرو بن العاص فضربه بالسوط وقام إليه ابن لعمرو فضربه بالسوط، وتفرق الناس في كل وجه إلى بلادهم، فأما عمرو وأصحابه فدخلوا على معاوية فسلموا عليه بتحية الخلافة، وأما أبو موسى فاستحيى من علي فذهب إلى مكة، ورجع ابن عباس وشريح بن هانئ إلى علي فأخبراه بما فعل أبو موسى وعمرو، فاستضعفوا رأي أبي موسى وعرفوا أنه لا يوازن عمرو بن العاص. فذكر أبو مخنف عن أبي جناب الكلبي أن عليا لما بلغه ما فعل عمرو كان يلعن في قنوته معاوية، وعمرو بن العاص، وأبا الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، والضحاك بن قيس، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد،

<<  <  ج: ص:  >  >>