وجهي للأمير، فقد أمر لي بشئ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، وَمَا أَرَاهُ أَمَرَ لِي إِلَّا بِدَقِيقٍ أَوْ طَعَامٍ، وَلَوْ كَانَ مَالًا لَمَا احْتَاجَ إِلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، وَلَأَعْطَانِيهِ.
فقالت الْمَرْأَةُ: فَمَهْمَا أَعْطَاكَ فَإِنَّهُ يَقُوتُنَا فَخُذْهُ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى الْوَكِيلِ فَقَالَ لَهُ الْوَكِيلُ: إِنِّي أَخْبَرْتُ الْأَمِيرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ أَحَدٌ يَحْمِلُهُ، وَقَدْ أَرْسَلَ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ السُّودَانِ يَحْمِلُونَهُ مَعَكَ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى مَنْزِلِهِ إِذَا عَلَى رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةُ آلَافِ دراهم، فَقَالَ لِلْغِلْمَانِ: ضَعُوا مَا مَعَكُمْ وَانْصَرِفُوا، فَقَالُوا: إِنَّ الْأَمِيرَ قَدْ أَطْلَقْنَا لَكَ، فَإِنَّهُ مَا بَعَثَ مَعَ خَادِمٍ هَدِيَّةً إِلَى أَحَدٍ إِلَّا كَانَ الْخَادِمُ الَّذِي يَحْمِلُهَا مِنْ جُمْلَتِهَا، قَالَ: فَحَسُنَ حَالُ ذَلِكَ الرَّجُلِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَعَثَ إِلَى سعيد بن العاص هدايا وأموالاً وكتاباً ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ يَخْطُبُ إِلَيْهِ ابْنَتَهُ أُمَّ عثمان من آمنة بِنْتِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، فَلَمَّا وَصَلَتِ الْهَدَايَا وَالْأَمْوَالُ وَالْكِتَابُ قَرَأَهُ، ثُمَّ فَرَّقَ الْهَدَايَا فِي جُلَسَائِهِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا لَطِيفًا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ! قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) * [الْعَلَقِ: ٦] وَالسَّلَامُ.
وَرُوِّينَا أَنَّ سَعِيدًا خَطَبَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ مِنْ فَاطِمَةَ، الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَابَتْ إِلَى ذَلِكَ وَشَاوَرَتْ أَخَوَيْهَا فَكَرِهَا ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ الْحُسَيْنُ وَأَجَابَ الْحَسَنُ، فَهَيَّأَتْ دَارَهَا وَنَصَبَتْ سَرِيرًا وَتَوَاعَدُوا لِلْكِتَابِ، وَأَمَرَتِ ابْنَهَا زَيْدَ بْنَ عُمَرَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَفِي رِوَايَةٍ بِمِائَتَيْ أَلْفٍ مَهْرًا، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ لِيَذْهَبُوا مَعَهُ، فَقَالَ: إنِّي أكره أن أخرج أمي فَاطِمَةَ، فَتَرَكَ التَّزْوِيجَ وَأَطْلَقَ جَمِيعَ ذَلِكَ الْمَالِ لَهَا.
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَعَبْدُ الْأَعَلَى بْنُ حَمَّادٍ: سَأَلَ أَعْرَابِيٌّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فَأَمَرَ لَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَقَالَ الْخَادِمُ: خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَمَرْتُكَ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَإِذْ قَدْ جَاشَ فِي نَفْسِكَ أَنَّهَا دَنَانِيرُ فَادْفَعْ إِلَيْهِ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَمَّا قَبَضَهَا الْأَعْرَابِيُّ جَلَسَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: مَالِكٌ؟ أَلَمْ تَقْبِضْ نَوَالَكَ؟ قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ! وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى الْأَرْضِ كَيْفَ تَأْكُلُ مِثْلَكَ.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ: جَاءَ رَجُلٌ فِي
حَمَالَةِ أَرْبَعِ دِيَاتٍ سَأَلَ فِيهَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَقِيلَ: لَهُ عَلَيْكَ بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَانْطَلَقَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا سعيد داخل إليه، فقال: من هذا؟ قيل: سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، فَقَصَدَهُ فَذَكَرَ لَهُ مَا أَقْدَمَهُ، فَتَرَكَهُ حَتَّى انْصَرَفَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى الْمَنْزِلِ فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: ائْتِ بِمَنْ يَحْمِلُ مَعَكَ؟ فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ! إِنَّمَا سَأَلْتُكَ مَالًا لَا تَمْرًا، فَقَالَ: أَعْرِفُ، ائْتِ بِمَنْ يَحْمِلُ مَعَكَ؟ فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَأَخَذَهَا الْأَعْرَابِيُّ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَسْأَلْ غَيْرَهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِهِ: يا بني أجر لله الْمَعْرُوفُ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، فَأَمَّا إِذَا أَتَاكَ الرَّجُلُ تَكَادُ تَرَى دَمَهُ فِي وَجْهِهِ، أَوْ جَاءَكَ مُخَاطِرًا لَا يَدْرِي أَتُعْطِيهِ أَمْ تَمْنَعُهُ، فَوَاللَّهِ لَوْ خَرَجْتَ لَهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِكِ مَا كَافَأْتَهُ.
وَقَالَ سَعِيدٌ: لِجَلِيسِي عَلَيَّ ثَلَاثٌ، إِذَا دَنَا رَحَّبْتُ به، وإذ جَلَسَ أَوْسَعْتُ لَهُ، وَإِذَا حَدَّثَ أَقْبَلْتُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: يَا بَنِيَّ لَا تُمَازِحِ الشَّرِيفَ فيحقد عليك ولا الدنئ فَتَهُونَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَيَجْتَرِئَ عَلَيْكَ.
وَخَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ: مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا فَلْيَكُنْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ، إِنَّمَا يَتْرُكُهُ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ، إِمَّا مُصْلِحٌ فَيَسْعَدُ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ وتخيب أنت،