للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب. يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) [غافر: ٢٨ - ٢٩] وهذا الرجل هو ابن عم فرعون (١) وكان يكتم إيمانه من قومه خوفا منهم على نفسه … وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيليا وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظا ومعنى والله أعلم.

قال ابن جريج قال ابن عباس لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا والذي جاء من أقصى المدينة (٢) وامرأة فرعون. رواه ابن أبي حاتم … قال الدارقطني لا يعرف من اسمه شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون … حكاه السهيلي … وفي تاريخ الطبراني أن اسمه خير فالله أعلم. والمقصود أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه فلما هم فرعون لعنه الله بقتل موسى وعزم على ذلك وشاور ملأه فيه خاف هذا المؤمن على موسى فتلطف في رد فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب فقال على وجه المشورة والرأي وقد ثبت في الحديث عن رسول الله أنه قال: " أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر " (٣). وهذا من أعلى مراتب هذا المقام فإن فرعون لأشد جورا منه وهذا الكلام لا أعدل منه لان فيه عصمة نبي … ويحتمل أنه [كاشفهم] (٤) بإظهار إيمانه وصرح لهم بما كان يكتمه والأول أظهر. والله أعلم. قال (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) أي من أجل أنه قال ربي الله فمثل هذا لا يقابل بهذا بل بالاكرام والاحترام والموادعة وترك الانتقام يعني لأنه (قد جاءكم بالبينات من ربكم) أي بالخوارق التي دلت على صدقه، فيما جاء به عمن أرسله، فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة لأنه (إن يك كاذبا فعليه كذبه) ولا يضركم ذلك (وإن يك صادقا) وقد تعرضتم له (يصبكم بعض الذي يعدكم) أي وأنتم تشفقون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به فكيف بكم إن حل جميعه عليكم.

وهذا الكلام في هذا المقام من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام. وقوله


(١) اختلفوا في اسمه: قيل حبيب وقيل شمعان. وقال الطبري: خبرك وقيل حزقيل. والأكثر من العلماء على أنه: قبطي; ابن عم فرعون.
(٢) والمراد به: الرجل الذي ذكر اسمه في قوله تعالى: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك). وقد تقدم التعليق. فليراجع.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ج ٣/ ١٩ عن أبي سعيد الخدري عن النبي . وفيه علي بن زيد بن جدعان; وفيه: كلمة حق بدل من كلمة عدل. ورواه ابن ماجة، وأبو داود في سننه في كتاب الملاحم باب الأمر والنهي. والترمذي في ٣٤ كتاب الفتن (١٣) باب ما جاء في أفضل الجهاد ح ٢١٧٤ ولفظة: إن من أعظم الجهاد قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
(٤) في بعض النسخ: كاشرهم وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>