للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن أبي عتيبة عن شيخ من أهل المدينة قال قال معاوية. أنا أول الملوك (١). وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا هارون بن معروف حدثنا حمزة عن ابن شوذب قال: كان معاوية يقول أنا أول الملوك وآخر خليفة، قلت: والسنة أن يقال لمعاوية ملك، ولا يقال له خليفة لحديث سفينة: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا " (٢).

وقال عبد الملك بن مروان يوما وذكر معاوية فقال: ما رأيت مثله في حلمه واحتماله وكرمه. وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحدا أعظم حلما ولا أكثر سؤددا ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجا، ولا أرحب باعا بالمعروف من معاوية. وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلاما شيئا شديدا، فقيل له لو سطوت عليه؟ فقال: إني لأستحيي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي. وفي رواية قال له رجل: يا أمير المؤمنين ما أحلمك؟ فقال: إني لأستحيي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي.

وقال الأصمعي عن الثوري: قال قال معاوية: إني لأستحيي أن يكون ذنب أعظم من عفوي، أو جهل أكبر من حلمي، أو تكون عورة لا أواريها بستري. وقال الشعبي والأصمعي عن أبيه قالا: جرى بين رجل يقال له أبو الجهم وبين معاوية كلام فتكلم أبو الجهم بكلام فيه غمر لمعاوية، فأطرق معاوية. ثم رفع رأسه فقال: يا أبا الجهم إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبيان، ويأخذ أخذ الأسد، وإن قليله يغلب كثير الناس. ثم أمر معاوية لأبي الجهم بمال فقال: أبو الجهم في ذلك يمدح معاوية:

نميل على جوانبه كأنا … نميل إذا نميل على أبينا

نقلبه لنخبر حالتيه … فنخبر منهما كرما ولينا

وقال الأعمش: طاف الحسن بن علي مع معاوية فكان معاوية يمشي بين يديه، فقال الحسن: ما أشبه أليتيه بأليتي هند؟! فالتفت إليه معاوية فقال: أما إن ذلك كان يعجب أبا سفيان. وقال ابن أخته عبد الرحمن بن أبي الحكم لمعاوية: إن فلانا يشتمني، فقال له: طأطئ لها فتمر فتجاوزك. وقال ابن الأعرابي: قال رجل لمعاوية: ما رأيت أنذل منك، فقال معاوية: بلى من واجه الرجال بمثل هذا. وقال أبو عمرو بن العلاء قال معاوية: ما يسرني بذل الكرم حمر


(١) في رواية عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال سمعت رسول الله يقول: " خلافة نبوة ثلاثين عاما ثم يؤتي الله الملك من يشاء " فقال معاوية: قد رضينا بالملك. أنظر الحديث في سنن أبي داود - كتاب السنة (٤/ ٢١١) والترمذي في الفتن ٤/ ٥٠٣ والإمام أحمد في المسند ٤/ ٢٧٣ ودلائل البيهقي ٦/ ٣٤٢.
(٢) أخرجه الإمام أحمد ٥/ ٤٤ و ٥/ ٢٢٠ وأبو داود في السنة ح (٤٦٤٦) بلفظ خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يأتي الملك من يشاء. ومن طريق يعقوب بن سفيان عن سفينة الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>