كتاب البداية والنهاية - ت شيري

سنة ستين من الهجرة النبوية - قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الامارة وكيفية مقتله - ج: 8 - ص: 169

عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رُوَاةِ الشِّيعَةِ.

ثُمَّ قَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: إِنِّي قَاتِلُكَ.

قَالَ: كَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَدَعْنِي أُوصِي إِلَى بَعْضِ قَوْمِي، قَالَ: أَوْصِ.

فَنَظَرَ فِي جُلَسَائِهِ وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.

فَقَالَ: يَا عُمَرُ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قرابة، ولي إليك حاجة، وهي سر فقم معي إلى ناحية القصر حتى أقولها لك، فَأَبَى أَنْ يَقُومَ مَعَهُ حَتَّى أَذِنَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ، فَقَامَ فَتَنَحَّى قَرِيبًا مِنِ ابْنِ زِيَادٍ فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فِي الْكُوفَةِ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاقْضِهَا عَنِّي، وَاسْتَوْهِبْ جُثَّتِي مِنِ ابْنِ زِيَادٍ فَوَارِهَا، وَابْعَثْ إِلَى الحسين، فإني كنت قد كتبت إليه أَنَّ النَّاسَ مَعَهُ، وَلَا أَرَاهُ إِلَّا مُقْبِلًا، فَقَامَ عُمَرُ فَعَرَضَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ مَا قال له فأجاز ذلك له كله (١) ، وقال: أما الحسين فإن لَمْ يُرِدْنَا لَا نُرِدْهُ، وَإِنْ أَرَادَنَا لَمْ نَكُفَّ عَنْهُ، ثُمَّ أَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ بِمُسْلِمِ بن عقيل فأصعد إلى أعلا القصر وهو يكبر ويهلل ويسبح وَيَسْتَغْفِرُ وَيُصَلِّي عَلَى مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ غَرُّونَا وَخَذَلُونَا، ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ بُكَيْرُ بْنُ حُمْرَانَ (٢) ، ثُمَّ أَلْقَى رَأْسَهُ إِلَى أَسْفَلِ الْقَصْرِ، وَأَتْبَعَ رَأْسَهُ بِجَسَدِهِ.

ثُمَّ أَمَرَ بِهَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ الْمَذْحِجِيِّ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ (٣) بِسُوقِ الْغَنَمِ، وصُلب بِمَكَانٍ مِنَ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ الْكُنَاسَةُ، فَقَالَ رجل شاعر في ذلك قصيدة (٤) : فَإِنْ كنتِ لَا تَدْرِينَ مَا الْمَوْتُ فَانْظُرِي * إِلَى هَانِئٍ فِي السُّوقِ وَابْنِ عَقِيلِ أَصَابَهُمَا أمر الإمام (٥) فأصبحا * أحاديث من يغشى (٦) بِكُلِّ سَبِيلِ إِلَى بطلٍ قَدْ هَشَّمَ السَّيْفُ وجهه (٧) * وآخر يهوي في طماره (٨) قَتِيلِ تَرَيْ جَسَدًا قَدْ غَيَّرَ الْمَوْتُ لَوْنَهُ * وَنَضَحَ دمٍ قَدْ سَالَ كُلَّ مَسِيلِ فَإِنْ أنتم لم تثأروا بأخيكم * فكونوا بغياً (٩) أرضيت بقليل

---

(١) انظر فتوح ابن الاعثم ٥ / ١٠٠ - ١٠١، والاخبار الطوال ص ٢٤١.
(٢) كذا في الاصل والطبري، وقد ذكر ابن الاعثم أن بكير بن حمران الاحمري قد قتل عندما ذهب ابن الاشعث ليقتاد مسلما من بيت طوعة ٥ / ٩٥ وفي الاخبار الطوال ص ٢٤١: أحمر بن بكير.
وقد كان قتل مسلم يوم الثُّلاثاء لثلاث خلون من ذي الحجة سنة ستين.
وفي مروج الذهب ٣ / ٧٣: بكير الاحمري وكان مسلم قد ضربه وقال له زياد كن أنت الذي تضرب عنقه لتأخذ بثأرك من ضربته.
(٣) ضربه غلام عبيد الله بن زياد يدعى رشيد.
(٤) في الطبري والكامل عبد الله بن الزبير الاسدي وقيل الفرزدق وفي الاخبار الطوال ص ٢٤٢: عبد الرحمن بن الزبير الاسدي.
وفي فتوح ابن الاعثم: رجل من بني أسد.
وفي مروج الذهب: فقال الشاعر.
(٥) في الطبري ومروج الذهب: الامير، وفي ابن الاعثم: الاله، وفي مقتل الحسين: ريب المنون وفي الاخبار الطوال: ريب الزمان.
(٦) في الطبري: يسري، وفي الاخبار الطوال وابن الاعثم ومروج الذهب: يسعى.
(٧) في ابن الاعثم: رأسه.
وفي الاخبار الطوال: أنفه.
(٨) في ابن الاعثم: من جدار قتيل، وفي الاخبار الطوال: من طمار قتيل.
(٩) في الطبري: بغايا، وزيد في الطبري ومروج الذهب أبيات أخرى.
(*)