للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن ابن زياد قتل معهما أناساً آخرين، ثم بعث برؤوسهما إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ إِلَى الشَّامِ، وَكَتَبَ له كتاباً صورة مَا وَقَعَ مِنْ أَمْرِهِمَا (١) .

وَقَدْ كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُخرج مِنَ الْبَصْرَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ أَهْلَهَا خُطْبَةً بَلِيغَةً وَوَعَظَهُمْ فِيهَا وَحَذَّرَهُمْ وأنذرهم من الاختلاف والفتنة والتفرق، وذلك لما رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ وَأَبُو مِخْنَفٍ عَنِ الصَّقْعَبِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ.

قال: بعث الحسين مع مولى له يقال له سلمان (٢) كِتَابًا إِلَى أَشْرَافِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِيهِ: أمَّا بعد فإن الله اصطفى محمَّداً عَلَى خَلْقِهِ وَأَكْرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ، وَاخْتَارَهُ لِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ قَبَضَهُ إِلَيْهِ وَقَدْ نَصَحَ لِعِبَادِهِ وَبَلَّغَ مَا أرسل به، وكنا أهله وأولياءه وورثته وأحق الناس

به وبمقامه فِي النَّاسِ، فَاسْتَأْثَرَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا بِذَلِكَ، فَرَضِينَا وَكَرِهْنَا الْفُرْقَةَ، وَأَحْبَبْنَا الْعَافِيَةَ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّا أَحَقُّ بِذَلِكَ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْنَا مِمَّنْ تَوَلَّاهُ، وقد أحسنوا وأصلحوا، وتحروا الحق فرحم اللَّهُ وَغَفَرَ لَنَا وَلَهُمْ، وَقَدْ بَعَثْتُ (٣) إِلَيْكُمْ بِهَذَا الْكِتَابِ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ قَدْ أُمِيتَتْ، وَإِنَّ البدعة قد أحييت، فتسمعوا قولي وتطيعوا أمري، فإن فعلتم أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.

وَعِنْدِي فِي صِحَّةِ هَذَا عَنِ الْحُسَيْنِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُطَرَّزٌ بِكَلَامٍ مَزِيدٍ مِنْ بَعْضِ رواة الشيعة.

قال: فكل من قرأ ذلك مِنَ الْأَشْرَافِ كَتَمَهُ إِلَّا الْمُنْذِرَ بْنَ الْجَارُودِ فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ دَسِيسَةٌ مِنِ ابْنِ زِيَادٍ فَجَاءَ بِهِ إِلَيْهِ، فَبَعَثَ خَلْفَ الرَّسُولِ الَّذِي جاء به من حسين فضربه عنقه، وصعد عبيد الله بن زياد الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ مَا بِي تُقْرَنُ الصَّعْبَةُ، وما يقعقع لي بالشنان، وإني (٤) لنكال لمن عاداني، وسهام لمن حاربني، أنصف " القارة " (٥) من رماها، يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّانِي الْكُوفَةَ وَأَنَا غادٍ إِلَيْهَا الْغَدَاةَ، وَقَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكَمْ عُثْمَانَ بْنَ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ (٦) ، وإياكم والخلاف


(١) نص الكتاب في فتوح ابن الاعثم ٥ / ١٠٨ والطبري ٦ / ٢١٥.
(٢) في الطبري ٦ / ٢٠٠: سليمان، وفي كتاب مقتل الحسين: " وكان اسمه ذراع وكان أخ الحسين من الرضاع ".
(٣) في الطبري ٦ / ٢٠٠: بعثت رسولي إليكم.
(٤) في الطبري: وإني لنكل لمن عاداني وسم لما حاربني.
(٥) القارة: قوم رماة من العرب، وفي المثل: قد أنصف القارة من راماها وقد زعموا أن رجلين التقيا أحدهما قاري والآخر أسدي، فقال القاري: إن شئت صارعتك، وإن شئت سابقتك وإن شئت راميتك، فقال: اخترت المراماة، فقال القاري: قد أنصفتني وأنشد: قد أنصفت القارة من راماها * أنا إذا ما فئة نلقاها نرد أولادها على أخراها ثم انتزع له سهما فشك فؤاده.
(٦) في ابن الاعثم ٥ / ٦٤: وقد استخلفت عليكم أخي عثمان بن زياد وانظر الاخبار الطوال ص ٢٣٢.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>